وقد أكثر المفسّرون ونقلوا عن أهل الكتاب ما يتنافى مع عصمة الأنبياء، مع أنّ الله شهد في هذه الآيات لنبيه بما يُعلِي قدره ويطهّر ثوبه، ويرفعه عن الدنايا، فذكرت الآيات أنه رأى برهان ربه، وهذا البرهان هو الدليل القاطع الذي يصل إلى درجة اليقين، الذي كأنه يراه رأي العين، وهذا البرهان هو حجة الله الدالة على حرمة الزنا وفحشه وقبحه، وهذا كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}(الأعراف: ٢٠١).
فهَمُّ يوسف بها هو الميل الفطري إلى مثل هذا الأمر، ولكن هذا الأمر لم يكن سوى خاطر عارض صرفه الله عنه، وعصمه من الوقوع فيه، بما أودعه في قلبه من علم يقيني بحرمة هذا الفعل، ومن يقع في مثل هذا الفعل لا يجهل أنه حرام، كما أن من يقع في المعاصي كالقتل والسرقة وشرب الخمر لا يخفى عليه أن هذا حرام، ولكن المهمّ أن يبقى الإحساس بحرمة هذه المحرمات شعلة في قلب المؤمن وإحساسه، كلما همَّ بالوقوع في واحد منها أضاءت له هذه الشعلة طريقه، فرأى برهان ربه وآياته الدالة على بشاعة الذنب؛ كأنها مكتوبة بين عينيه.
كما يدفع ما قاله به بعض المفسرين مما يطعن في عصمة يوسف قول الله تعالى:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}(يوسف: ٢٤) أي: هذا ديدن الله مع هذا الشاب المبارك والنبي الكريم، أي: كما أنه رأى برهان ربه فانصرف عنها، يصرفه الله دائمًا عن السوء والفحشاء، ومع ما في قوله: