وشب موسى في قصر فرعون، فاطلع على كثير من الأحوال وألوان الظلم والجبروت، وبينما هو يسير في المدينة {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}(القصص: ١٥) فكان هذا سببًا لخروجه خوفًا على نفسه من القتل، وسار إلى مدين، وهناك التقى بشعيب بعد أن سقى لابنتيه ماشيتهما، وتزوج بواحدة من الابنتين، على أن يرعى الماشية لشعيب ثمانية حجج، فإن أتم عشرًا فهذا فضل منه.
وأتم موسى السنوات العشر واصطحب أهله لزيارة أهله وعشيرته وقومه في مصر، وبينما هو في سيناء والبرد قارص وقد ضل به الطريق {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}(القصص: ٢٩ - ٣٢) ومن هنا نصل إلى بداية رسالة موسى ودعوته، لنختار منها بعض النماذج التي تفصح عن طريقته في دعوته.
والمرحلة الأولى التي سبقت تكليفه بالرسالة فيها من الدروس والعبر، وتبين أن الله غالب على أمره، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكنا في هذا اللقاء نلتقط من واحة القرآن بعض ما في دعوة كل من إبراهيم وموسى من مناهج الهداية والرشاد.
وقد أرسل الله موسى لبني إسرائيل، ولكن بني إسرائيل مقهورون تحت إمرة فرعون في مصر، وليبلغ موسى رسالته لبني إسرائيل، لا بد من استخلاصهم من