ومع هذه الآيات البينات عاندوه وكذبوه وطاردوه، ودبروا لقتله ونفذوا ما دبروه، ولكن الله حفظ رسوله ونجاه منهم، وألقى شبهه على من دل القوم عليه فقتلوه، واعتقدوا أنهم قتلوا عيسى -عليه السلام- وما علموا أن الله رفعه إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا.
دعوة عيسى -عليه السلام-:
أول ما يدعو إليه كل رسول العبودية لله، والعبودية لله قائمة على الاعتقاد في أنه إله واحد لا شريك له، متصف بصفات الكمال والجمال. يقول تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء: ٢٥).
وهكذا قال عيسى لقومه، وبدأ دعوته فأثبت لهم أنه رسول من ربه، وقدم بين يدي دعواه العديد من المعجزات كما ذكرنا، وذكر لهم أنه جاء مصدقًا لما بين يديه من التوراة، ولكنه جاء بالتيسير عليهم، فقال:{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}(آل عمران: ٥٠).
إنه يستثير حبهم للتيسير بعد أن كلفهم الله بالتكاليف التي تحتاج إلى العزيمة القوية؛ لما جبلوا عليه من التفلت وعدم التزام أحكام الله، فحين يأتيهم رسول معه كل هذه الدلائل والبراهين، أنه صادق فيما أخبرهم به عن ربه، وذكر لهم أنه جاء يخفف عنهم بعض الذي حرمه الله عليهم، وأنه جاء بالدليل الناصع