والبرهان القاطع على صدق قوله، كان عليهم أن يستجيبوا لما ينصحهم به ويدعوهم إليه {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(آل عمران: ٥٠).
فتأمل دقة دعوة هذا النبي الكريم، وهو يذكِّر قومه بما جاءهم به من البينات، ويخبرهم بأن ما جاء به من المعجزات آية، وأي آية! والتنكير في قوله "آية" يفيد التعظيم وقد قالها مرتين، هنا وفي الآية السابقة، ولكنه هنا أضاف دليلًا آخر لا ينكرونه، وهو أن هذه الآية العظيمة منشؤها ومصدرها الله -سبحانه وتعالى، وهل يماري أحد منهم في ربوبية الله.
هل ينكر أحد منهم أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت؟ وهم لا يستطيعون أن ينسبوا شيئًا من ذلك لبشر أو لحجر؛ لأنهم يرون أن البشر أو الحجر أعجز من أن يفعل ذلك، ولهذا انتقل إلى ما يترتب على ما يسلمون به من ربوبية الله، إلى وجوب التوجه له وحده بالعبادة، وأن يطيعوا الرسول فيما دعاهم إليهم فقال:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}(آل عمران: ٥٠).
ثم أخذ بأيديهم في رفق وسلك بهم طريق النجاة، وهو يعرفهم بأن الله الذي يدعوهم إلى توحيده في ألوهيته، هو ربه وربهم، وعليهم أن يعبدوه وحده، وتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، هو الطريق السوي السهل المعتدل، الذي يؤدي إلى النجاة والسعادة من أقرب طريق، ولهذا قال لهم:{هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(آل عمران: ٥١).
فأشار باسم الإشارة "هذا"، وهو اسم إشارة يشار به إلى القريب، والقرب هنا قرب منزلة ومكانة، وهذا يعني أن الصراط المستقيم قريب من العقل والوجدان؛ لأنه متساوق مع الفطرة، وقد قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الروم: ٣٠) ولهذا بكت الله المجرمين يوم القيامة