الى طول الاقتضاء، ومع بعض الساكن للمسكن، وحبّ المسكن للساكن. لأن السكن يحب صحة بدن الساكن، ونفاق سوقه إن كان تاجرا، وتحرّك صناعته إن كان صانعا. ومحبة الساكن أن يشغل الله عنه المسكن كيف شاء. إن شاء شغله بعينه، وإن شاء بزمانه، وإن شاء بحبس، وإن شاء بموت، ومدار مناه أن يشغل عنه. ثم لا يبالي كيف كان ذلك الشغل، إلا أنه كلما كان أشدّ كان أحبّ اليه، وكان أجدر أن يأمن، وأخلق لأن يسكن. وعلى أنه إن فترت سوقه أو كسدت صناعته، ألحّ في طلب التخفيف من أصل الغلة، والحطيطة مما حصل عليه من الأجرة «١» . وعلى أنه إن أتاه الله بالأرباح في تجارته، والنفاق في صناعته، لم ير أن يزيد قيراطا في ضريبته، ولا أن يعجّل فلسا قبل وقته.
ثم أن كانت الغلة صحاحا «٢» دفع أكثرها مقطعة، وإن كانت أنصافا وأرباعا دفعها قراضة مفتتة «٣» . ثم لا يدع مزبّقا «٤» ولا مكحلا ولا زائفا ولا دينارا بهرجا «٥»
، إلا دسّه فيه ودلّسه «٦» عليه، واحتال بكل حيلة، وتأتّى له بكل سبب. فإن ردّوا عليه بعد ذلك شيئا، حلف بالغموس أنه ليس من دراهمه ولا من ماله، ولا رآه قط ولا كان في ملكه. فان كان الرسول جارية ربّ الدار أفسدها وربما أحبلها، وإن كان غلاما خدعه وربما شطر به. هذا مع التشرّف على الجيران والتعرّض للجارات، ومع اصطياد طيورهم وتعريضنا لشاكيتهم. وربما استضعف عقولهم بالشهوات، ويفتح لهم أبوابا من النفقات، ليعيبهم ويربح