أكلب «١» ، لأنهم أقلّ توكّلا وأ سوأ بالله ظنا. والجواد إما أن يكون متوكّلا، وإما أن يكون أحسن بالله ظنا. وهو على كل حال بالمتوكل أشبه، وإلى ما أشبهه أنزع «٢» ، وكيفما دار أمره، ورجعت الحال به، فليس ممّن يتّكل على حزمه، ويلجأ إلى كيسه «٣» ، ويرجع إلى جودة إحتياطه، وشدّة احتراسه. واعتلال البخيل بالحدثان «٤» ، وسوء الظنّ بتقلّب الزمان، إنما هو كناية عن سوء الظنّ بخالق الحدثان وبالذي يحدث، وأهل الزمان. وهل تجري الأحداث إلّا على تقدير المحدث لها، وهل تختلف الأزمنة «٥» إلّا على تصريف من دبّرها؟ أولسنا وإن جهلنا أسبابها، فقد أيقّنا بأنها تجري إلى غاياتها؟
والدليل على أنه ليس بهم خوف الفقر، وأن الجمع والمنع إما أن يكون عادة منهم أو طبيعة فيهم، إنك قد تجد الملك بخيلا، ومملكته أوسع، وخرجه أدرّ «٦» ، وعدوة أسكن، وتجد أحزم منه جوادا، وإن كانت مملكته أضيق، وخرجه أقل، وعدوّه أشدّ حركة.
وقد علمنا أن الزنج أقصر الناس فكرة وروية، وأذهلهم عن معرفة العاقبة. فلو كان سخاؤهم إنما هو لكلال حدّهم «٧» ونقص عقولهم وقلة معرفتهم، لكان ينبغى لفارس أن تكون أبخل من الروم، وتكون الروم أبخل من الصّقالبة «٨» . وكان ينبغي للرجال، في الجملة، أن يكونوا