للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى في سواك لما قصد إليك، فإنما جعلك معبرا لدرك حاجته، ومركبا لبلوغ محبته. ولولا بعض القول لوجب لك الحق عليه حق يجب به الشكر. فليس يجبّ لمنّ كان كذلك شكر، وإن انتفعت بذلك منه، إذا كان لنفسه عمل. لأنه لو تهيأ له ذلك النفع في غيرك، لما تخطّاه اليك.

وإنما يوصف بالجود في الحقيقة، ويشكر على النفع في حجة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع، على جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له. فإن شكرنا للناس على بعض ما قد جرى لنا على أيديهم، فإنما هو لأمرين: أحدهما التعبّد، وقد تعبد الله بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين، وتعظيم من هو أسنّ منا وإن كنا أفضل منهم. والآخر لأن النفس ما لم تحصّل الأمور وتميز المعاني، فالسابق إليها حب من جرى لها على يده خير، وإن كان لم يردها ولم يقصد إليها.

ووجدنا عطيّة الرجل لصاحبه لا تخلو أن تكون لله، أو لغير الله. فإن كانت لله، فثوابه على الله. وكيف يجب عليّ في حجة العقل شكره، وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما حملني ولا أعطاني، وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر، فإذا كان الأمر كذلك، فإنما جعلني سلّما الى تجارته، وسببا إلى بغيته، أو يكون إعطاؤه إياي من طريق الرحمة والرقة، ولما يجد في فؤاده من العصر والألم، فإن كان لذلك أعطى، فإنما داوى نفسه من دائه، وكان كالذي رفّه من خناقه «١» . وإن كان إنما أعطاني على طلب المجازاة وحب المكافأة فأمر هذا معروف، وإن كان إنما أعطاني من خوف يدي أو لساني، أو اجترار معونتي ونصرتي، فسبيله سبيل جميع ما وصفنا وفصّلنا.

فلاسم الجود موضعان: أحدهما حقيقة، والآخر مجاز «٢» . فالحقيقة ما كان من الله، والمجاز المشتق له من هذا الإسم. وما كان لله كان ممدوحا، وكان لله

<<  <   >  >>