نعمتك وما دسّوا لها من الدواهي. واعمل على أن سحرهم يسترّق الذهن ويختطف البصر. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إن من البيان سحرا» ، وسمع عمر بن عبد العزيز يتكلم في حاجة فقال:«هذا والله السحر الحلال» ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«لا خلابة «١» » . واحذر احتمال مديحهم، فإن محتمل المديح في وجهه، كمادح نفسه.
إن مالك لا يسع مريديه ولا يبلغ رضى طالبيه. ولو أرضيتهم باسخاط مثلهم، لكان ذلك خسرانا مبينا. فكيف ومن يسخط أضعاف من يرضى، وهجاء الساخط أضرّ من فقد مديح الراضي؟ وعلى أنهم إذا اعتوروك بمشاقصهم وتداولوك بسهامهم «٢» ، لم تر ممن أرضيته في أسخاطهم أحدا يناضل عنك ولا يهاجي شاعرا دونك، بل يخليك غرضا لسهامهم ودريئة لنبالهم، ثم يقول: وما كان عليه لو أرضاهم؟ فكيف يرضيهم، ورضى الجميع شيء لا ينال؟ وقد قال الأول: وكيف يتفق لك رضى المختلفين؟ وقالوا: منع الجميع أرضى للجميع.
إني أحذّرك مصارع المخدوعين، وأرفعك عن مضاجع المغبونين. إنك لست كمن لم يزل يقاسي تعذّر الأمور، ويتجرّع «٣» مرار العيش، ويتحمّل ثقل الكد، ويشرب بكأس الذل، حتى كاد يمرن على ذلك جلده ويسكن عليه قلبه. وفقر مثلك مضاعف الألم، وجزع من لم يعرف الألم أشد. ومن لم يزل فقيرا فهو لا يعرف الشامتين، ولا يدخله المكروه من سرور الحاسدين، ولا يلام على فقره، ولا يصير موعظة لغيره، وحديثا يبقى ذكره، ويعلنه بعد الممات ولده.
دعني من حكايات المستأكلين ورقى الخادعين، فما زال الناس يحفظون