للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أموالهم من مواقع السّرف، ويجنّبونها وجوه التبذير. ودعني مما لا نراه إلا في الأشعار المتكلّفة والأخبار المولّدة والكتب الموضوعة، فقد قال بعض أهل زماننا: «ذهبت المكارم إلا من الكتب» . فخذ فيما تعلم، ودع نفسك مما لا تعلم.

هل رأيت أحدا قط أنفق ماله على قوم كان غناهم سبب فقره أنه سلّم عليهم حين افتقر فردوا عليه فضلا على غير ذلك؟ أولست قد رأيتهم بين محمّق «١» ومحتجب عنه، وبين من يقول: فهلا أنزل حاجته بفلان الذي كان يفضّله ويقدّمه ويؤثره ويخصّه؟ ثم لعلّ بعضهم أن يتجنّى عليه ذنوبا ليجعلها عذرا في منعه وسببا إلى حرمانه.

قال الله جل ذكره: «يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون» «٢» . فأنا القائم عليك بالموعظة والزّجر والأمر والنهي، وأنت سالم العقل والعرض، وافر المال حسن الحال. فاتّق أن أقوم غدا على رأسك بالتقريع والتعبير وبالتوبيخ والتأنيب، وأنت عليل القلب مختلّ العرض «٣» ، عديم من المال سيء الحال.

ليس جهد البلاء «٤» مدّ الأعناق وانتظار وقع السيوف، لأن الوقت قصير والحسّ مغمور «٥» . ولكنّ جهد البلاء أن تظهر الخلّة «٦» وتطول المدة وتعجز الحيلة، ثم لا تعدم صديقا مؤنبا وابن عم شامتا، وجارا حاسدا، ووليا قد

<<  <   >  >>