ولا يتناول إلا ما بين يديه، ولا يلاحظ ما بين غيره، ولا يتشهّى الغرائب، ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة، ولا يهتك أستار الناس بأن يتشهّى ما عسى ألا يكون موجودا.
وكيف تصلح الدنيا، وكيف يطيب العيش، مع من إذا رأى جزوريّة، التقط الأكباد والأسنمة، وإذا عاين بقريّة، استولى على العراق والقطنة، وإن أتوا بجنب شواء، اكتسح كل شيء عليه. لا يرحم ذا سن لضعفه، ولا يرقّ على حدث لحدّة شهوته، ولا ينظر للعيال، ولا يبالي كيف دارت بهم الحال؛ وإن كان لا بد من ذلك، فمع من لا يجعل نصيبه في مالي أكثر من نصيبي.
وأشد من كل ما وصفنا، وأخبث من كل ما عددنا، أن الطبّاخ، ربما أتى باللون الطريف، وربما قدّم الشيء الغريب، والعادة في مثل ذلك اللون أن يكون لطيف الشخص، صغير الحجم، وليس كالطفشيلية «١» ، ولا كالهريسة «٢» ، ولا كالفجلية، ولا كالكرنبية «٣» ، وربما عجّل عليه، قدّمه حارا ممتنعا، وربما كان من جوهر بطيء الفتور. وأصحابي في سهولة ازدراد «٤» الحار عليهم، في طباع النعام، وأنا في شدّة الحار عليّ، في طباع السباع. فإن انتظرت إلى أن يمكن أتوا على آخره، وإن بدرت مخافة الفوت «٥» ، وأردت أن أشاركهم في بعضه، لم آمن ضرره. والحار ربما قتل، وربما أعقم، وربما أبال الدم.
ثم قال: هذا عليّ الأسواري، أكل مع عيسى بن سليمان بن علي، فوضعت قدّامهم سمكة عجيبة، فائقة السمن، فجلط بطنها جلطة،