للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبحث في نظري لا يقدِّم جديدًا في هذا السياق، وأكثرُ من ذلك أنّه يقوم على فهمٍ شائع مغلوطٍ لقول من قال من الأصوليين بجواز التعليل بالحكمة، حيث يبدو من صنيع الباحث بإيراده عددًا من الفروع الفقهية التي اعتُرض بها على نوط الحُكم بالحكمة: كنوط عدّة المرأة ببراءة الرحم لا بعدد القروء، ونوطِ الفطر في السفر بذات المشقّة لا بالسفر، ونوطِ التحريم الناشئ عن الرَّضاع بالجزئيّة لا بنفس الارتضاع، وتكلّفِه في الجواب عن هذه الفروع - يبدو من ذلك أنّه فهم من قول من قال من الأصوليين بجواز التعليل بالحكمة أنهم يوجبون ذلك عند كلّ حكمة، مع أنّ لفظ "الجواز" يشير إلى عدم لزوم ذلك، بل تخضع كلّ مسألة عندهم لنظر المجتهد، وما يمكن مراعاته من شروط أخرى تتوفّر في الحكمة محلّ النظر، كانفرادها بالحُكم، وتأثيرها، وعدم انتقاضها، وعدم معارضتها بغيرها، ونحو ذلك مما يُذكر في شروط العلة المناسبة التي تُناط بها الأحكام. فالقائل بجواز التعليل بالحكمة أنّما يتخلّى عن شرط واحد فقط من شروط العلة هو الظهور والانضباط، ولا يتخلّى عن باقي الشروط. وهذا مفهوم بالبداهة من حديث الأصوليين عن التعليل بالحكمة.

وهذا الفهم لمذهب القائلين بجواز التعليل بالحكمة - غير السديد في نظرنا - هو الذي اضطّر الباحث إلى الخروج عن الاصطلاح الشائع عند الأصوليّين في الحكمة والمقصد؛ ففرّق بينهما في حين لم يكن الأصوليّون والفقهاء يفرِّقون بينهما في مجاري كلامهم. والخروج عن الاصطلاح الشائع - من غير حاجة ماسّة - إنّما هو خطأ آخر ينضاف إلى الخطأ الذي أدّى إليه.

وعلى أية حال فهذا البحث لا يلتقي مع دراستنا هذه في الهدف ولا في المضمون، لأنّ دراستنا معنيّة باستقراء العوامل المؤثّرة في التعليل بالمظنة أو التعليل بالحكمة في آحاد الوقائع، أمّا دراسة الباحث فعُنيت ببيان جواز - أو بالأحرى لزوم - التعليل بالحكمة (المقصد) إلى جانب التعليل بالمظنة، أي التعليل بالحكمة لتوسيع الحُكم، لا على حساب التعليل بالمظنة، ولا في معارضته. حيث قال المؤلّف: «التعليل بالمقاصد هنا ليس مطروحًا

<<  <   >  >>