للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتكلف ما لا علم له به " انتهى (١) .

وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه (٢) .

ــ

(١) وأشغل نفسه بما يضره ولا ينفعه، ولا سبيل له إليه، وليس مأمورا به، وهذا الأثر أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا، كما قال المصنف -رحمه الله-، وأخرجه أيضا عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والخطيب وغيرهم، ولفظه: " إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدي بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطي فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به، وإن ناسا جهلة بأمر الله، قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء " اهـ.

والأحاديث في ذم التنجيم والتحذير منه كثيرة، منها قوله: " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر " ١. وقوله: " مما أخاف على أمتي التصديق بالنجوم ". رواه عبد بن حميد من وجهين محتجا به من طرق، ونحوه عند ابن عساكر وأبي يعلى وابن عدي والخطيب وحسنه السيوطي، وغير ذلك مما هو معلوم، وأصله في الكتاب والسنة كثير، وأجمع عليه السلف والأئمة، وقول قتادة -رحمه الله- يدل على أن علم التنجيم هذا قد حدث في عصره، فأوجب له إنكاره على من اعتقده وتعلق به، وهذا العلم مما ينافي التوحيد ويوقع في الشرك؛ لأنه ينسب الحوادث إلى غير من أحدثها وهو الله تعالى بمشيئته وإرادته، كما قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} ٢،: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأََّرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} ٣.

فسلك مسلك قتادة سدا للباب وحسما للمادة؛ لئلا يتوصل إلى الممنوع. وهذا القسم من علم النجوم هو تعلم منازل الشمس والقمر للاستدلال بذلك على =


١ أبو داود: الطب (٣٩٠٥) , وابن ماجه: الأدب (٣٧٢٦) , وأحمد (١/٢٢٧) .
٢ سورة فاطر آية: ٣.
٣ سورة النمل آية: ٦٥.

<<  <   >  >>