وقال الإمام أحمد:((عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته (١) يذهبون إلى رأي سفيان (٢) ،
ــ
(١) أي عرفوا إسناد الحديث، وصحة إسناد الحديث، فإذا صح إسناد الحديث فهو دليل على صحة الحديث عند أهل الحديث وغيرهم من العلماء.
(٢) هو الثوري الإمام الزاهد الثقة الفقيه تقدمت ترجمته، كان له أصحاب يأخذون عنه، ومذهبه مشهور، يذكره العلماء في الكتب التي يذكر فيها مذاهب الأئمة، فقول الإمام أحمد إنكار منه لذلك، وأنه يؤول إلى زيغ القلوب الذي يكون به المرء كافرا، وقد عمت البلوى بهذا المنكر، خصوصا ممن ينتسب إلى العلم، نصبوا الحبائل في الصد عن الكتاب والسنة، كقولهم: لا يستدل بالكتاب والسنة إلا المجتهد والاجتهاد قد انقطع. وقولهم: الذي قلدناه أعلم منك بالحديث وبناسخه ومنسوخه، ونحو ذلك من الأقوال التي غايتها ترك الكتاب والسنة، والاعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ، ومعه بعض العلم لا كله، وإن ظنوا أنهم اتبعوا الأئمة، فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم واتبعوا غير سبيلهم، وذلك إنما نشأ عن الإعراض عن تدبر الكتاب والسنة، والإقبال على كتب من تأخر، والاستغناء بها عن الوحيين، والواجب على كل مكلف إذا بلغه الدليل أن ينتهي إليه ويعمل به، وإن خالفه من خالفه كائنا من كان، كما قال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ١. فإذا قرأ كتب العلماء ونظر فيها، وعرف أقوالهم، وجب عليه أن يعرضها على ما في الكتاب والسنة؛ فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه لا بد أن يذكر دليلا، والحق في المسألة واحد، والمنصف يجعل النظر في كلامهم وتأمله طريقا إلى معرفة المسائل، واستحضارها ذهنا، وتمييزا للصواب من الخطأ بالأدلة التي يذكرها المستدلون، وبذلك يعرف من هو أسعد بالدليل من العلماء، فيتبعه، والأئمة -رضي =