للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: قل يا موسى لا إله إلا الله. (١) قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا (٢)

ــ

(١) أي فإذا قلتها فقد دعوتني وأثنيت علي، فإن الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ودعاء العبادة نحو: لا إله إلا الله وسبحان الله، وهو مستلزم لدعاء المسألة، ودعاء المسألة نحو "رب اغفر لي" متضمن لدعاء العبادة، وذلك أنه مأمور بهذا فإذا فعله فهو فاعل عبادة، ولا إله إلا الله اشتملت على الأمرين بل أعلاهما وأولاهما، وهي أكثر الأذكار وجودا وأيسرها حصولا، فإن أحرفها كلها جوفية ليس فيها حرف شفوي، فيمكن قائلها أن يقولها من غير فتح فمه، وهو أسلم وأبعد عن الرياء، وفي كونها جوفية أيضا إشارة إلى أنها تخرج من القلب; وأحرفها كلها مهملة فتنبئ عن التجرد من كل معبود سوى الله، وهي أفضل الأذكار وأعظمها معنى، فهي الكلمة العظيمة، وهي العروة الوثقى، وكلمة التقوى، وكلمة الإخلاص، وهي التي قامت بها السماوات والأرض، وشرعت لتكميلها السنة والفرض، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، فمن قالها وعمل بها صدقا وإخلاصا وقبولا ومحبة أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، وفيه أن الذاكر بها يقولها كلها، ولا يقتصر على لفظ الجلالة ولا على "هو" كما يفعله غلاة المتصوفة، فإن ذلك بدعة وضلالة، و "لا" نافية للجنس نفيا عاما إلا ما استثني، وخبرها محذوف تقديره لا إله حق إلا الله. قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ١. فإلهيته تعالى هي الحق، وكل ما سواه من الآلهة فإلهيته باطلة.

(٢) وفي رواية: قد علمت ألا إله إلا الله، أي وإنما أريد شيئا تخصني به من بين عموم عبادك، فإن من طبع الإنسان ألا يشتد فرحه جدا إلا بشيء يختص به دون غيره، مع أن من رحمة الله وسنته المطردة أن ما اشتدت إليه الحاجة والضرورة =


١ سورة الحج آية: ٦٢.

<<  <   >  >>