للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تعجزن (١) ، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل. فإن " لو " تفتح عمل الشيطان " ١ (٢) .

ــ

(١) بفتح الجيم وكسرها ونون التوكيد مخففة، والعجز ينافي الحرص على ما ينفع، وينافي الاستعانة بالله، فنهاه عن العجز وذمه، والعجز مذموم عقلا وشرعا، وأرشده قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بالله، وفي الحديث: " الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " ٢.

(٢) أي وإن غلبك أمر ولم يحصل المقصود بعد بذل الجد والاستطاعة فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، فإنه لا يجدي عليك شيئا، ولكن قل: قدر الله ; لأن ما قدره لا بد أن يكون، والواجب التسليم للمقدور، وما شاء فعل، لأن أفعاله لا تصدر إلا عن حكمه.

قال ابن القيم: والعبد إذا فاته المقدور له حالتان: حالة عجز وهي عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى (لو) ولا فائدة فيها، بل هي مفتاح اللوم والعجز والسخط والحزن، وهذا من عمل الشيطان، فنهاه عن افتتاح عمله بهذا الافتتاح، وأمره بالحالة الثانية وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر لم يفته ولم يغلبه عليه أحد، فقال: " وإن أصابك " إلخ، فأرشده إلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته، ونهاه عن قول " لو "، وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان، لما فيها من التأسف على ما فات، والتحسر والحزن ولوم القدر، فيأثم بذلك، وذلك من عمل الشيطان.

وما ذاك لمجرد لفظ (لو) ، بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه، المنافية لكمال الإيمان، الفاتحة لعمل الشيطان، وأرشده إلى الإيمان بالقدر، والتفويض والتسليم للمشيئة، فهذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد، وهو يتضمن إثبات القدر، وإثبات الكسب، والقيام بالعبودية.

وقال شيخ الإسلام في معنى الحديث: لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع من مقدور، ومن الناس من يجمع كلا الشرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم =


١ مسلم: القدر (٢٦٦٤) , وابن ماجه: المقدمة (٧٩) والزهد (٤١٦٨) , وأحمد (٢/٣٦٦ ,٢/٣٧٠) .
٢ الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٥٩) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٦٠) .

<<  <   >  >>