ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا (١) ، فمستقل ومستكثر (٢) ، وفتش نفسك هل أنت سالم؟
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة٣ ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا٤
ــ
(١) اقتراحا عليه وأنه يستحق خلاف ما جرى به القدر، بل يبوحون بذلك ويصرحون به جهارا في كلامهم وأشعارهم، وهذه حالة كما قال ابن الجوزي وغيره قد شملت خلقا كثيرا من العلماء والجهال، أولهم إبليس، وقال: الواحد من العوام إذا رأى مراكب مقلدة بالذهب والفضة، ودارا مشيدة مملوءة بالخدم والزينة، قال: انظروا ما أعطاهم الله مع سوء أفعالهم، ولا يزال يلعنهم ويذم معطيهم، حتى يقول: فلان يصلي الجماعات والجمع، ولا يؤذي الذر، ويظهر الإعجاب كأنه ينطق: لو كانت الشرائع حقا لكان الأمر بخلاف ما ترى، وكان الصالح غنيا والفاسق فقيرا. وقال صدقة بن الحسين الحداد - وكان فقيها وعليه جرب -، فقال: ينبغي أن يكون هذا على جمل لا علي. وكثير من العوام إذا رأى رجلا صالحا مؤذى قالوا: هذا ما يستحق، أو هذا ابن حلال كأن الله ظلمه أو يذمه كأنه لا يستحق، قدحا في القدر، وارتفاعا على الخالق جل وعلا في التحكم عليه، حتى كأن المعترض قد ارتفع أن يكون شريكا لله تعالى في ملكه، والله سبحانه هو العليم الحكيم، يضع الأشياء مواضعها.
(٢) من الاعتراض على قدر الله وحكمه.
(٣) أي من أمر ذي مصيبة عظيمة.
(٤) إخال بكسر الهمزة أي لا أظنك ناجيا من الاعتراض على القدر، بل أكثر الخلق إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء بلسان حاله أو مقاله.