فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله، ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء (١) .
ــ
= ويسوي بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يترك خلقه سدى، أو أنه لا يجمعهم بعد الموت للثواب والعقاب فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح، وأنه يعاتبه بما لا صنع له فيه، وأنه يحسن منه كل شيء، حتى يعذب من أفنى عمره في طاعته فيخلده في الجحيم، وينعم من استنفد عمره في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه، وترك الحق لم يخبر به، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم وآرائهم، لا على كتابه وسنة رسوله، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه وسلفه عبروا عن الحق بصريحه، دون الله ورسوله وأن الهدى في كلامهم، فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يقدر على إيجاده، وأنه كان معطلا من الأزل إلى الأبد عن أن يفعل، وأنه لا سمع له ولا بصر ولا علم ولا إرادة ولا كلام يقوم به، ولا يتكلم ولا يكلم، وأنه ليس فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه فيدعونهم ويرجونهم فقد ظن به ظن السوء.
(١) وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سيئ، ومتبع كل شر، المركبة على الجهل والظلم، فإنها أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام، والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأسماؤه كلها حسنى، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل: