للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ١ (١) . وقال الخليل -عليه السلام -: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} (٢) ٢ (٣) .

ــ

(١) أي يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده، وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وسلم أعطى ثلاثا منها " وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات "٣ يعني الكبائر، ففيه فضل السلامة من الشرك قليله وكثيره صغيره وكبيره، فتبين بهذه الآية ونحوها أن الشرك أعظم الذنوب؛ لأن الله أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه، وأما ما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة، إن شاء غفر لمن لقيه به، وإن شاء عذبه، ولا يجوز أن يحمل قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} ٤ على التائب؛ فإن التائب من الشرك مغفور له بنص القرآن، وفي الآية رد على الخوارج المكفرين بالذنوب، وعلى المعتزلة القائلين بتخليد أصحاب الكبائر في النار.

(٢) هو إبراهيم بن آزر بن ناحور بن شاروخ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، ولد ببابل قبل عيسى بألفي عام، وهاجر إلى الشام، وتوفي به بعد أن عاش ١٥٧ سنة. ومعنى إبراهيم بالسريانية أب رحيم. والخلة أخي من المحبة؛ ولهذا اختص بها الخليلان إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم. ويأتي قوله: " فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ٥.

(٣) أي اجعلني وبني في حيز وجانب عن عبادة الأصنام، وباعد بيننا وبينها، وهذا مما يخيف العبد، فإذا كان الخليل -عليه السلام- إمام الحنفاء الذي جعله الله أمة وحده وابتلي بكلمات فأتمهن، وقد كسر الأصنام بيده، يخاف أن يقع في الشرك، فكيف يأمن الوقوع فيه من هو دونه بمراتب، بل أولى بالخوف منه وعدم الأمن بالوقوع فيه. قال إبراهيم التيمي: ((ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم)) . وقد وقع فيه الأذكياء من هذه الأمة بعد القرون المفضلة، فبنيت المساجد والمشاهد على القبور وغيرها، وصرفت لها العبادات بأنواعها، وأشبهوا ما وقع في الجاهلية وأعظم =


١ سورة النساء آية: ٤٨.
٢ سورة إبراهيم آية: ٣٥.
٣ مسلم: الإيمان (١٧٣) , والترمذي: تفسير القرآن (٣٢٧٦) , والنسائي: الصلاة (٤٥١) , وأحمد (١/٣٨٧ ,١/٤٢٢) .
٤ سورة النساء آية: ٤٨.
٥ مسلم: المساجد ومواضع الصلاة (٥٣٢) .

<<  <   >  >>