قالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقرب (١) ، قالوا: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا (٢) فخلوا سبيله فدخل النار (٣) . وقالوا للآخر: قرب. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل (٤) ،
ــ
(١) يعني للصنم، احتج بالعدم فلما عرفوا موافقته بالذبح لغير الله، واعتذر طمعوا فيه، وقنعوا منه بأيسر شيء؛ لأن قصدهم موافقتهم على ما هم عليه من الشرك.
(٢) حصل به موافقتهم، وظاهره أنه لو وجد بدنة لقربها.
(٣) بسبب قربانه الذباب للصنم؛ لأنه قصد غير الله بقلبه، وانقاد بعمله فوجبت له النار. ففيه بيان عظمة الشرك ولو في شيء قليل، وأنه يوجب النار لقوله:{مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} ١. فإذا كان هذا فيمن- قرب ذبابا، فكيف بمن يستسمن الإبل وغيرها، ليتقرب بنحرها لمن كان يعبده من دون الله، من قبر أو مشهد أو طاغوت وغير ذلك؟ وفيه التحذير من الوقوع في الشرك، وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري، والحذر من الذنوب وإن كانت صغيرة في الحسبان، كما قال أنس:" إنكم تعملون أعمالا هي أصدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات ". وفيه أنه دخل النار بسبب لم يقصده ابتداء، وإنما فعله تخلصا من شر أهل الصنم، وفيه أنه كان مسلما، وإلا لم يقل دخل النار في ذباب، وفيه أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان.
(٤) أبى عليهم، وبادأهم بالإنكار، وعظم عليه أن يقرب لصنمهم شيئا، ونفر من الشرك وصرح بإخلاص العبادة لله عز وجل.