حرص الشديد عليها؛ لأنها وسيلة للدفاع عن نفسه، والشنفرى يفخر بخروجه في هذه الليلة القاسية المظلمة للإغارة؛ لأن ذلك يوافق طبعه المتمرد, ولم يكن معه ما يستعين به على الروع، فلم يصحبه فيها سوى العطش الشديد والظلمة الحالكة بالإضافة إلى البرد والمطر، وإزاء هذا الجو، يخرج مصمما على تحقيق ما اعتزمه، ولم يعد إلا بعد أن قضى مآربه وأنفذ ما اعتزمه:
وليلة نحس يصطلي القوس ربها ... وأقطعه اللاتي بها يتنبل
دعست على غطش وبغش وصحبتي ... سعار وإرزيز ووجر يتنبل
والشنفرى في هذه اللوحة يعني بوصف حاله ونفسيته، فهو جائع وهو خائف وهو مرتعد الفرائص من شدة البرد والصقيع، مع ذلك فهو يتحدى الطبيعة ويصمد في مواجهتها، ثم يصف آثار هذه الغارة وما خلفته من رجال لقوا مصرعهم فأصبحت نساؤهم أيامي وأطفالهم يتامى, وتم له ذلك في لمح البصر فقد عاد كما بدأ والليل أليل:
فأيمت نسوانا وأيتمت آلدة ... وعدت كما أبدأت والليل أليل