للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجنسية من خلال نفسيته وخياله، وهذه هي المرة الوحيدة التي ينسلخ فيها من رجولته لتقمص شخص ذكر من الوعول١.

وعلى كل فهي لوحة مصورة ابتدعتها يد فنان ماهر في لحظة من لحظات صفاء النفس, ليست سوى طيف مول وهدنة يسيرة لا يلبث أن يعود بعدها إلى حلبة الصراع.

وبهذا يبدو الشنفرى بارعا في استجماعه لعناصر الدقة وتوزيعه الألوان والظلال مع البساطة في عرض صورة وتفوقه على الطبيعة التي يحاكيها.

وهكذا يتضح لنا من خلال هذا العرض قدرة الشنفرى على التصوير والتجسيد بحيث لم يترك شيئا غامضا أو معنى مجردا لا يتمثله السامع إلا وألبسه ثوبا أدبيا وأخرجه في صورة محسة مرئية في الخيال، والتمثيل دائما يوافق النفس البدائية التي تبصر المعاني أكثر مما تفهمها، يقول ابن رشيق: والتشبيه والاستعارة جميعا يخرجان الأغمض إلى الأوضح ويقربان البعيد٢.

ولذلك لم يكد يخلو بيت من صورة بدوية وهي صور تنطلق من مشاهد الصحراء التي شهداها وعاش فيها وقد استطاع أن يستغل معجمه اللغوي والتصويري أبرع استغلال ليكون ذلك في خدمة الفكرة التي أراد أن يبرزها, ففي معرض حديثه عن الجوع الذي يعانيه


١ يراجع: شاعر الصعاليك: الشنفرى ولامية العرب، ص ١٨٣، د/ عبد الحليم حفني.
٢ العمدة جـ ١/ صـ٢٨٧.

<<  <   >  >>