يمتنع عليها ولا يتعرض لها أحد بسوء، ترعى مع ولدها فيتحقق لهما الأمن ورغد العيش كما أن ثغرها مشرق مضيء فأسنانها بيضاء ذات بريق ولمعان وكأن هذا الثغر في وضاءته وبريقه المتدفق زهرة الأقحوان حين يلمع نورها وينصع بياضها.
ويتحدث عن أخلاقها فهي كالدابة الشموس: التي لا تستقر عي حال بل تتغير وتتبدل فأنا تقبل عليه وتطمعه في وصلها فيتبدد يأسه ويتجدد لديه الأمل ويمني نفسه بقربها، وأنا تعرض عنه فتستبد به الهموم ويقطع أمله في وصلها، فحالها إقبال وإدبار وصد ونوال.
وإذا كان هذا حالها وهو قريب منها، فإنه إذا بعد عنها ليسلوها عاوده طيفها وزاره خيالها، ومنعه النوم وإنه ليلح عليه كلما حل مكانا أو نزل منزلا وكأنها، موكلة بعذابه في قربها منه وبعدها عنه، وكلمة أزال في قوله فما أزال على شحط يؤرقني تفيد استمرار العذاب ودوامه.
وإن مشهد الفراق لا يفارق عينه ولا يغيب عن خياله حين قصدت رحالهم بطن السلوطح وقد علقت بهم القلوب وشدت نحوهم الأبصار في حين أنهم لا ينظرون إلى من تعلق بهم وغدا أسير هواهم.
وفي أعقاب رحيلهم كان ينظر نحوهم فأحيانا يستبينهم لقربهم منه وأحيانا لا يراهم لتباعدهم عنه وتغيب السراب إياهم.