وحين يستنفرهم ويحذرهم من ضياع ماضيهم المجيد ومجدهم التليد الذي يحرصون على استدامته يربط بين الماضي المتوارث وبين الخطر الذي يدهمهم، فلا يبقي أثرا لماضٍ شريف أو حاضر مشرق، والعربي لا يعتز بماضيه فحسب، وإنما يستلهمه ويعيش عليه، ولن يفيدهم هذا الماضي ولن ينفعهم الاعتزاز به، إن هم قصروا في الحفاظ عليه، وفرطوا في الدفاع عنه وجاء تعبيره عن ذلك بالاستفهام المفيد للنفي تأكيدا لهذا المعنى:
ماذا يرد عليكم عز أولكم ... إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
وقد استغل فرط حساسيتهم وشدة غيرتهم على أعراضهم وحذرهم من العدوان عليها فهم إن قصروا في الدفاع، أو توانوا في الاستعداد وأخذ الأهبة استبيحت حرماتهم وانتهكت أعراضهم، كما حذرهم من هول الفجيعة والمفاجأة باحتلال أرضهم إن استمروا على غفلتهم، ولم يعملوا بما يوجبه نصحه وتحذيره، فيستبد بهم عدوهم ويستسلمون لحكم الدهر فيهم، وما أقسى حكمه، إنه الفناء الذي لا بديل عنه:
ياقوم بيضتكم لا تفجعن بها ... إني أخاف عليها الأزلم الجذعا