وفي الذي قبله يحدد فلسفته في الحياة، وينهج نهجا خاصا، مبنيا على فهم معين لطبيعة الحياة والموت.
وواضح أن الشاعر لا يعترف بحياة غير هذه الحياة، وليس بعد هذه الحياة إلا الفناء والعدم، فهو في إقباله على اللذة صاحب فلسفة، وليس صاحب غواية وصاحب فهم وليس عبدا للذة، على أية حال ففي هذين البيتين مفتاح شخصية هذا الشاعر.١
وإذا كان المجتمع الجاهلي يقدر المروءة والشجاعة ويحث على الثبات عند اللقاء وخوض الحروب، فإن اللوم الموجه إلى طرفة ليس لمجرد شهوده الوغي وأنما موجه إلى القدر الزائد على الشجاعة، وهو التهور ومجاوزة الحد المعقول بحيث تصبح الشجاعة معه طيشا وحمقا.
ويتابع الحديث عن فلسفته فلسفة اللذة التي تشوقه وتروقه، والتي لولا تعلقه بها وحبه لها لما حفل بالحياة، ولما جزع من الموت، فهو يعتقد أنه ليس ثمة ما يستحق اللهفة والاهتمام سوى اللذة، وقد قصر حياته على لذات ثلاث: إحداها لذة الخمر وحرصه على احتسائها قبل انتباه العاذلات اللائمات، يشربها في كمال لذة وتمام مسرة دون أن يعكر عليه أحد، وإذا مزجت هذ الخمرة بالماء كان لها فوران يكون منه الزبد.
١ يراجع: الشعر الجاهلي د/ محمد أبو الأنوار: صـ ١٦٧.