ولقد كثرت جناياته وتعددت إغاراته وقتل الكثير من بني سلامان ومن غيرهم حتى بات الناس يطلبونه حيثما وجدوه ليقتلوه، فهو الآن مطارد ومطالب بجنايات تكاثرت عليه بحيث لا يكاد يعرف بأيها تؤخذ نفسه، على أن أصحاب هذه الجنايات باتوا يترصدونه، ويحرصون على الوصول إليه والتمكن منه وإن ناموا ظلت عيونهم يقظى باحثة عنه مترصدة له تدبر الانتقام منه والأخذ بثأرهم مبالغة في تصوير الجد في البحث عنه.
ولذلك فلا عجب أن تألفه الهموم وتعتاده وتتردد عليه في نظام يكاد يكون ثابتًا كأنها الحمى التي تعاود المريض من وقت لآخر، وربما كانت أشد وأثقل عليه منها، فهو تعبير عن ضيقه وقلقه ويظل في صراع مع هذه الهموم، كلما صرفها عادت من حيث أتت فتحدق به من كل جانب وأخيرًا يخاطب صاحبته التي تخيلها على عادة الشعراء الجاهلين معتزًا بشمائله وماركب فيه من صفات، فإن كان مظهره ينبئ عن فقر وحرمان، فيبدو عاري الجسد وكأنه حية تتحرك بجلدها المكشوف لا يجد ما يستر جسمه أو يظله ويقيه حر الشمس، إن كانت تراه كذلك وتراه مرة يمشي حافيًا ومرة يلبس نعلًا فإن جوهره غني بالفضائل فهو حليف الصبر، يلبس ثوبه على قلب شجاع كقلب السمع حتى لا يظن أحد أن الصبر ضعف، وفوق هذا فهو شديد الحزم حتى كأن الحزم نعل في قدميه، ولذلك فلا يجعل المال هدفه ولا يحرص للحصول عليه فشغله الشاغل في ترقب