وإذا كان الشنفرى يشعر بالمطاردة لكثرة الجنايات التي ارتكبها فقد كثر فتكه ببني سلامان وقضى على تسعة وتسعين شخصا منهم كما تروي إحدى الروايات, ولنا أن نتصور قبيلة فقدت هذا العدد الهائل من رجالها وعلى يد شخص واحد، كيف يكون شعورها، وقد عبر عن هذه الجرائم التي ارتكبها بقوله: طريد جنايات وليس جناية واحدة، وهذا مما زاد شعوره بالخوف فأرهف حسه وضاعف من حذره, وهو يتصف بالإباء الذي يفوق الوصف والذي جعله يهجر الناس ويؤثر عليهم أقسى ألوان الحياة, ويفضل ذلك على أطيب العيش وأرغده:
ولولا اجتناب الذم لم يلف مشرب ... يعاش به إلا لدي ومأكل
فهو لا يهجر الناس من أجل طلب العيش وحوزة المال، فلو أراد ذلك لتحقق له أكثر مما يريد، ولكنه يهجرهم حفاظا لمروءته وصونا لكرامته فلقد ترك بني سلامان مرددا:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ... وفيها لمن رام القلى متعزل
بل بلغت به العزة حدا جعله يقاوم الجوع ويغالبه، وقد كان الجوع حتما عليه لا قبل له بأن يدفعه أو يمتنع عن الشعور به، ومع ذلك كان يتناساه ويذهل عنه، أو يضرب الذكر عنه صفحا حتى ينتصر