عليه فينساه، وإذا كان الصبر عليه من صفة الصعلوك فربما تفوق الشنفرى عليهم في هذا ساعيا للانتصار عليه وعلى الطبيعة؛ لأنه إذا طعم حتى الشبع والتخمة، فإن ذلك يكون دليلا على تساويه مع الآخرين بل وعلى استسلامه للواقع، مع أنه يرفضه، فالصعاليك تحدثوا عن أثر الفقر والجوع عليهم وما سببه لهم من ضعف وهزال حتى أظلمت الدنيا في عيني السليك بن السلكة, وأصابه من الدوار ما جعله يفقد الوعي:
وما نلتها حتى تصعلكت حقبة ... وكدت لأسباب المنية أعرف
وحتى رأيت الجوع بالصيف ضرني ... إذا قمت تغشاني ظلال فأسدف
وأبو خراش يقاوم الجوع ويديم حبسه حتى يمله ويذهب عنه دون أن يلحقه عار ويتخذ من ذلك مجالا للفخر بقوة عزيمة وقدرته على الاحتمال١.
وإني لأثوى الجوع حتى يملني ... فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي