للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الجانب المعياري أو غير الموضوعي في نظر الوضعية العلمية، فإنه لا زال يحتاج إلى مناقشة وتوضيح، الحقيقة أن تعريف الأخلاق بأنها الصورة التي ينبغي أن يكون عليها السلوك الإنساني أمر فيه غموض، ذلك أن الأخلاق من حيث السلوك ظاهرة مادية حية؛ لأن هذا السلوك صادر من كائن حي لدوافع معينة بيولوجية أو سيكولوجية، ولكن من حيث إنه سلوك كما ينبغي أن يكون فإنه ليس ظاهرة مادية وليس في إمكاننا إرجاعه -من هذه الزاوية- إلى أحد القوانين البيولوجية أو الفسيولوجية أو السيكولوجية أو الطبيعية الإنسانية عموما، أن كلمة "ينبغي" تفيد المعيار، وهذا المعيار عنصر هام في مفهوم الأخلاق؛ لأن الأخلاق بدونه تكون سلوكا لا يتميز عن سلوك الحيوان، ولأنه هو الذي يدفع الإنسان إلى تكييف سلوكه وفقا لمفهومه، لكن ما حقيقة هذا المفهوم المعياري أو العنصر المعياري في الأخلاق ومن أين جاء إليها ومن أين أخذ هذه السلطة التي بها يفرض نفسه علينا؟

الحقيقة أن تحديد ذلك ليس أمرا سهلا، إذ إنه يعد من أصعب الأمور في التفكير الأخلاقي، إنه ليس أمرا موضوعيا نقسيه بالمقاييس الموضوعية، ولهذا فإن تحديده من الناحية العقلية الصرفة صعب للغاية؛ لأن هذا التحديد يخضع للاتجاهات الفلسفية -كما ذكرنا- ومن هنا نجد الاختلافات الكثيرة بين الفلاسفة في هذه النقطة بالذات، ثم إن تحديده يتوقف على الدراسات الأخرى، مثل دراسة الطبيعة الإنسانية، وإذا كانت هذه الدراسة قد تقدمت بصورة مذهلة من الناحية البيولوجية فإنها تعتبر في مؤخرة الدراسات من الناحية السيكولوجية، والعنصر المعياري يتوقف على هذه الدراسة الأخيرة كما يتوقف على الدراسات

<<  <   >  >>