للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثواب والعقاب شيء أخر, وأقصد بالثواب الثواب من الله أما الثواب الطبيعي فملازمهما باستمرار.

أما الأمر الثالث من الحسن والقبح اللذان لا يعلمان إلا بالشرع فليس معنى هذا أن العقل لا يدركه بل الحقيقة في هذه النقطة أن أمورا داخلة في النوع الثالث تدرك بالعقل مثل وجود الله وما يتصف به من الصفات الإيجابية أو السلبية, وهناك أيضا بعض الأوامر والنواهي التي يدرك حسنهما وقبحهما بالعقل وبالطبيعة المتلائمة والمتنافرة, ولكن بالرغم من هذا فإن معيار ثبوت الأحكام بالوجوب أو بالنهي بالحل أو الحرمة هو الشرع فإنها ثابتة بالشرع لا بالعقل.

إذن الشرع هو المعيار العام في ثبوت الأحكام في هذا المجال الثالث وتعلق الثواب والعقاب عموما.

ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ١, فلو أن الأحكام ثبتت بالعقل لما توقف العذاب على إرسال الرسول ولكان إرسال الرسل عبثا من غير داعٍ. ومن تلك الأدلة قوله تعالي: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} ٢, {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ٣, "وإذا كان الأمر حسنا بالعقل فإنه يصبح أحسن بالأمر الشرعي ويجزي الله بالعمل الأحسن لا بالحسن"٤.

وأما الاتجاه الثاني وهو اتجاه المعتزلة فقد عرف القبيح "بأنه الفعل الذي إذا فعله القادر عليه استحق الذم على بعض الوجوه" كما أن ترك منع


١ الاسراء: ١٥.
٢ النور: ٣٨.
٣ العنكبوت: ٧.
٤ شرح تنقيح الفصول في الأصول ص٤١. شرح التلويح على التوضيح للتنقيح جـ١ ص ١٧٢.

<<  <   >  >>