للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتفقون في قيمة من القيم من الوجهة النظرية، ولكن عند التطبيق يتخذون وسائل مختلفة ومن ثم يختلفون في الوصول إلى النتيجة أو رؤية الحقيقة من جميع أطرافها ومن ثم يختلفون في تقييم هذه الحقيقة أو تلك.

ولكن أين الحقيقة الآن إذا كانت هي التي تهمنا أهي مع الاتجاه الأول أم مع الاتجاه الثاني؟

في رأيي وحسبما هدتني إليه دراستي حتي الآن يبدو لي أن الحقيقة ليست بأكملها في جانب هؤلاء أو جانب أولئك, ذلك أن موضوعية القيم الأخلاقية متميزة تماما عن موضوعية العلوم الأخرى إذا نظرنا إليها من زاوية الموضوعية العلمية المتعارفة, وهي ليست مسألة شرعية تستمد قيمتها من الوحي فحسب بل إننا نجد فيها خصائص مشتركة بينها وبين مختلف القيم الأخرى كالقيم الطبيعية والإنسانية والسماوية والاجتماعية والعلمية.

إذن لا نستطيع أن نقول: إن قيمتها عقلية صرفة, كما يقول المعتزلة والموضوعيون من الفلاسفة, كذلك لا نقول: إنها شرعية تستمد قيمتها من الوحي فقط كما يقول أهل السنة, وخاصة الأشاعرة؛ لأن القول بالقيمة العقلية البحتة لا بد من أن يؤيد بأحد الدليلين على الأقل أحدهما الاستدلال الاستقرائي ولكن لا يمكن تطبيق هذا على جميع الأمور الجزئية وخاصة بعض الجزئيات الخاصة بصلة الفرد بالله.

والاستدلال الثاني هو الاستدلال الاستنباطي, ولكن نعجز عن طريق هذا الاستدلال عن تفسير جميع المظاهر الأخلاقية تفسيرا عقليا موضوعيا. كما أنهم عجزوا عن ذلك هم أنفسهم. ولكن هل معنى هذا أننا لا نستطيع قياس هذه

<<  <   >  >>