ولقد وقع هنا خلاف طويل بين العلماء، إلا أن الرأي الراجح عندي هو الرأي القائل بأن حديث "لا عدوى" عام، والأحاديث التي تفيد العدوى خاصة، وهذا صحيح؛ لأنه ليس كل الأمراض معدية، كما أن أكل الرسول مع المجذوم ومناقشته مع الأعرابي يوحيان بأن الرسول أراد أن يثبت أن العدوى لا تحصل إلا بإرادة الله، فهو لا يريد أن يلغي إرادة الله مع وجود الأسباب، لكن مع ذلك أمرنا باتخاذ الأسباب بصفة عامة لتحقيق الأهداف، اتباعا لقوله تعالى:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً} ١.
الأمر الثاني: تحقيق المطالب الأساسية في الطبيعة الإنسانية بحكمة واعتدال، وهذه الحاجات تنقسم -بصفة عامة- إلى قسمين: هما الحاجات الروحية والحاجات الحسية، وأهمية الأولى لا تقل عن الثانية؛ لأن الروح موجودة في الطبيعة الإنسانية، أودعها الله في الإنسان لمعرفته وللاتصال به، ولتدفع الإنسان إلى تحمل مسئولياته الإنسانية في هذه الحياة، وهي وإن كانت غامضة من حيث كنهها وجوهرها فهي ظاهرة من حيث آثارها في السلوك، وفاعليتها في الأبدان، وهي متأصلة في الإنسان بالفطرة، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن تكون لها مطالب تنشط بتحقيقها وتبذل وتضيق بالحرمان منها، من أجل هذا قرر الإسلام لها نصيبًا من حياة الإنسان في نظامه الخلقي، والحياة الروحية كما قررها الإسلام هي: أداء العبادات المختلفة من الصلاة والصوم والحج والزكاة، وتذكر الله دائما بأنه خالقه ورازقه، وهو الذي يستمد منه العون ويعتمد عليه في كل شيء؛ لأن الأمر بيده، وهو على كل شيء قدير، وأن يتذكر أن هذه الحياة