للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه

وعبروا عَنْ صفته بعبارات كثيرة وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس ومجاهدة الطبع برده عَن الأخلاق الرذيلة وحمله عَلَى الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إِلَى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح فِي الدنيا والثواب فِي الأخرى والحديث بإسناد عَن الطوسي يَقُول سَمِعْتُ أبا بَكْر بْن المثاقف يَقُول سألت الجنيد بْن مُحَمَّد عَن التصوف فَقَالَ الخروج عَنْ كل خلق رديء والدخول فِي كل خلق سني وبإسناد عَنْ عَبْد الْوَاحِد بْن بَكْر قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن خفيف يَقُول قَالَ رويم كل الخلق قعدوا عَلَى الرسوم وقعدت هذه الطائفة عَلَى الحقائق وطالب الخلق كلهم أنفسهم بظواهر الشرع وهم طالبوا أنفسهم بحقيقة الورع ومداومة الصدق.

قَالَ المصنف: وعلى هَذَا كان أوائل القوم فلبس إبليس عليهم فِي أشياء ثم لبس عَلَى من بعدهم من تابعيهم فكلما مضى قرن زاد طعمه فِي القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إِلَى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.

وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عَن العلم وأراهم أن المقصود العمل فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا فِي الظلمات فمنهم من أراده أن المقصود من ذلك ترك الدنيا فِي الجملة فرفضوا مَا يصلح أبدانهم وشبهوا المال بالعقارب ونسوا أنه خلق للمصالح وبالغوا فِي الحمل عَلَى النفوس حتى أنه كان فيهم من لا يضطجع وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم عَلَى غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وَهُوَ لا يدري.

ثم جاء أقوام فتكلموا لهم فِي الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا فِي ذلك مثل الحارث المحاسبي وجاء آخرون فهذبوا مذهب التصوف وأفردوه بصفات ميزوه بِهَا من الاختصاص بالمرقعة والسماع والوجد والرقص والتصفيق وتميزوا بزيادة النظافة والطهارة ثم مَا زال الأمر ينمي والأشياخ يضعون لهم أوضاعا ويتكلمون بواقعاتهم ويتفق بعدهم عَن العلماء لا بل رؤيتهم مَا هم فيه أَوْ فِي العلوم حتى سموه العلم الباطن وجعلوا علم الشريعة العلم الظاهر ومنهم من خرج به الجوع إِلَى الخيالات الفاسدة فادعى عشق الحق والهيمان فيه فكأنهم تخايلوا شخصا مستحسن الصورة فهاموا به وهؤلاء بين الكفر والبدعة ثم تشعبت بأقوام منهم

<<  <   >  >>