للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوقف فأقبل ينظر إليه ثم أطرق رأسه إِلَى الأَرْض ومضى الغلام فرفع رأسه بعد طويل وَهُوَ يبكي فَقَالَ قد ذكرني هَذَا بنظري إليه وجها جل عَنِ التشبيه وتقدس عَنِ التمثيل وتعاظم عَنِ التحديد وَاللَّه لأجهدن نفسي فِي بلوغ رضاه بمجاهدتي أعدائه وموالاتي لأوليائه حتى أصير إِلَى مَا أردته من نظري إِلَى وجهه الكريم وبهائه العظيم ولوددت أنه قد أراني وجهه وحبسني فِي النار مَا دامت السموات والأرض ثم غشي عَلَيْهِ وحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ الفزاري قَالَ سمعت خيرا النساج يَقُول كنت مَعَ محارب بْن حسان الصوفي فِي مسجد الخيف ونحن محرمون فجلس إلينا غلام جميل من أهل المغرب فرأيت محاربا ينظر إليه نظرا أنكرته فقلت لَهُ بعد أن قَامَ إنك محرم فِي شهر حرام فِي بلد حرام فِي مشعر حرام وَقَدْ رأيتك تنظر إِلَى هَذَا الغلام نظرا لا ينظره إلا المفتونون فَقَالَ لي تقول هَذَا يا شهواني القلب والطرف ألم تعلم أنه قد منعني من الوقوع فِي شرك إبليس ثلاث فقلت وما هي قَالَ سر الإيمان وعفة الإسلام وأعظمها الحياء من اللَّه تعالى أن يطلع علي وأنا جاثم عَلَى منكر نهاني عنه ثم صعق حتى اجتمع الناس علينا.

قَالَ المصنف رحمه اللَّه: قلت أنظروا إِلَى جهل الأحمق الأَوَّل ورمزه إِلَى التشبيه وإن تلفظ بالتنزيه وإلى حماقة هَذَا الثاني الذي ظن أن المعصية هي الفاحشة فقط وما علم أن نفس النظر بشهوة يحرم ومحا عَنْ نفسه أثر الطبع بدعواه التي تكذبها شهوة النظر وقد حَدَّثَنِي بعض العلماء أن صبيا أمرد حكى لَهُ قَالَ قَالَ لي فلان الصوفي وَهُوَ يحبني يا بني لله فيك إقبال والتفات حيث جعل حاجتي إليك وحكى أن جماعة من الصوفية دخلوا عَلَى أحمد الغزالي وعنده أمرد وَهُوَ خال به وبينهما ورد وَهُوَ ينظر إِلَى الورد تارة وإلى الأمرد تارة فلما جلسوا قَالَ بعضهم لعلنا كدرنا فَقَالَ أي وَاللَّه فتصايح الْجَمَاعَة عَلَى سبيل التواجد.

وحكى أَبُو الْحُسَيْن بْن يوسف أنه كتب إليه فِي رقعة إنك تحب غلامك التركي فقرأ الرقعة ثم استدعى الغلام فصعد إليه النظر فقبله بين عينيه وقال هَذَا جواب الرقعة.

قَالَ المصنف رحمه اللَّه قلت: إني لا أعجب من فعل هَذَا الرَّجُل وإلقائه جلباب الحياء عَنْ وجهه وإنما أعجب من البهائم الحاضرين كيف سكتوا عَنِ الإنكار عَلَيْهِ ولكن الشريعة بردت فِي قلوب كثير من الناس وأَخْبَرَنَا أَبُو القاسم الحريري أَنْبَأَنَا أَبُو الطيب الطَّبَرِيّ قَالَ بلغني عَنْ هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إِلَى وجه الأمرد وربما زينته بالحلى والمصبغات من الثياب والحواشي وتزعم أنها تقصد به الازدياد فِي الإيمان بالنظر والاعتبار

<<  <   >  >>