تجوز إدامة السهر لأن فيه إسقاط حق النفس والظاهر أن دوام السهر والتقلل من الطعام أخرجه إِلَى هذه الأحوال والأفعال وبإسناد عَنْ أبي عَبْد اللَّهِ الرازي قَالَ كساني رجل صوفا فرأيت عَلَى رأس الشبلي قلنوسة تليق بذلك الصوف فتمنيتها فِي نفسي فلما قَامَ الشبلي من مجلسه التفت إلي فتبعته وكان عادته إذا أراد أن أتبعه يلتفت إلي فلما دخل داره فَقَالَ أنزع الصوف فنزعته فلفه وطرح القلنوسة عَلَيْهِ ودعى بنار فأحرقهما قلت وَقَدْ حكى أَبُو حامد الغزالي أن الشبلي أخذ خمسين دينارا فرماها فِي دجلة وقال مَا أعزك أحد إلا أذله اللَّه وأنا أتعجب من أبي حامد أكثر من تعجبي من الشبلي لأنه ذكر ذلك عَلَى وجه المدح لا عَلَى وجه الإنكار فأين أثر الفقه وبإسناد عَنْ حسين بْن عَبْدِ اللَّهِ القزويني قَالَ حَدَّثَنِي من كان جالسا أنه قَالَ تعذر علي قوتي يوما ولحقني ضرورة فرأيت قطعة ذهب مطرحة فِي الطريق فأردت أخذها فقلت لقطة فتركتها ثم ذكرت الحديث الذي يروي لو أن الدنيا كانت دما عبيطا لكان قوت المسلم منها حلالا فأخذتها وتركتها فِي فمي ومشيت غير بعيد فَإِذَا أنا بحلقة فيها صبيان وأحدهم يتكلم عليهم فَقَالَ لَهُ واحد متى يجد العبد حقيقة الصدق فَقَالَ إذا رمى القطعة من الشدق فأخرجتها من فمي ورميتها.
قال المصنف رحمه اللَّه لا تختلف الفقهاء إن رميه إياها لا يجوز والعجب أنه رماها بقول صبي لا يدري مَا قَالَ وَقَدْ حكى أَبُو حامد الغزالي أن شقيقا البلخي جاء إِلَى أَبُو القاسم الزاهد وفي طرف كسائه شيء مصرور فَقَالَ لَهُ أي شيء معك قَالَ لوزات دفعها إلي أخ لي وقال أحب أن تفطر عليها فَقَالَ يا شقيق وأنت تحدث نفسك أن تبقى إِلَى الليل لا كلمتك أبدا فأغلق الباب فِي وجهي ودخل.
قَالَ المصنف رحمه اللَّه أنظروا إِلَى هَذَا الفقه الدقيق كيف هجر مسلما عَلَى فعل جائز بل مندوب لأن الإنسان مأمور أن يستعد لنفسه بما يفطر عَلَيْهِ واستعداد الشيء قبل مجيء وقته حزم ولذلك قَالَ اللَّه عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وَقَدْ أدخر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأزواجه قوت سنة وجاء عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عنه بنصف ماله وأدخر الباقي ولم ينكر عَلَيْهِ فالجهل بالعلم أفسد هؤلاء الزهاد وبإسناد أَحْمَد بْن إِسْحَاقَ العماني قَالَ رأيت بالهند شيخا وكان يعرف بالصابر قد أتى عَلَيْهِ مائة سنة قد غمض إحدى عينيه فقلت لَهُ يا صابر مَا بلغ من صبرك قَالَ إني هويت النظر إِلَى زينة الدنيا فلم أحب أن أشتفي منها فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها وَقَدْ حكى لنا عَنْ آخر أنه فقأ احد عينيه وقال النظر إِلَى الدنيا بعينين إسراف قلت كان قصده أن