وقد كان لهاتين المدرسيتن أثر عظيم في النهضة؛ لأن تعليم الأم أول خطوةٍ في تعليم الشعب، وقد كثرت مدارس البنات في لبنان خاصةً, بعد ذلك كثرة ملحوظة، ولا ريب في أن الأم المتعلمة لن ترضى لأولادها الجهل.
ومن أوائل مدارس البنين: المدرسة الوطنية, للمعلم بطرس البستاني, في سنة ١٨٦٣، وكانت ممتازة بصبغتها الوطنية، وحرية الدين، ولكنها تعطلت سنة ١٨٧٦, وأنشئت المدرسة البطريركية, للروم الكاثوليك, سنة ١٨٦٥, ومدرسة الحكمة في السنة نفسها, وهي للطائفة المارونية, وأقدم المدارس الإسلامية هي كلية المقاصد الخيرية الإسلامية, سنة ١٨٨٠.
أما التعليم العالي فيتمثل في الكلية الأمريكية والكلية اليسوعية، وقد أنشئت الأولى ببيروت سنة ١٨٦٦، وبها الآن فروع للطب، والفلك، وطب الأسنان، والتجارة، والآثار، والآداب، ولها قسمٌ إعداديّ وثانويّ، وبها مرصد فلكي, ولما قوي نفوذ الإنجليز في الشرق بعد الحرب العالمية الأولى, وصار تعلم الإنجليزية ضروريًّا اتسعت الجامعة الأمريكية، وزاد إقبال الطلاب عليها، وقصدوها من كل البلاد العربية، وبها ما يقرب من خمسة آلاف طالب، وقد اتسعت مبانيها، ,ألحق بها مستشفى عظيم، ولها عناية بالمؤلفات العربية١.
أما الكلية اليسوعية: فقد نقلت إلى بيروت سنة ١٨٧٤، وتعلم اللغات، والآداب, والطبيعيات, والرياضيات، وبها ثلاث شعب رئيسية: الحقوق والطب والهندسة، ولها مستشفى كبير، والتعليم فيها باللغة الفرنسية، وبها مكتبة من أنفس المكتبات العربية، ومطبوعات اليسوعيين ذات شهرة عظيمة.
كان لهذه النهضة التعليمية في لبنان أثر بالغ في ثقافة الشعب، والإقبال على القراءة, والتنافس في أسباب الرقي بين الطوائف المختلفة، كل طائفة تسعى لأن تبز الأخرى وتحتل دونها مركزًا أدبيًّا ممتازًا في القطر الصغير.
١ من أشهر أساتذتها الذين عرفناهم الرئيس "دودج" والأستاذ بولس الخولي, أستاذ التربية، والأستاذ أنيس المقدسي, أستاذ الأدب العربي، والدكتور قطسنطين زريق "وكان مديرًا للجامعة السورية"، والدكتور شارل مالك, وقد صار وزيرًا مفوضًا بالولايات المتحدة، والدكتور أسد رستم, ناشر مخطوطات الشام في عهد محمد علي، والدكتور مصطفى الخالدي.