للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن كثيرًا من أدباء لبنان في القرن التاسع عشر قد آثروا الهجرة إلى مصر، لاضهاد تركيا المسلمة لهم، ولضيق المجال أمام تفوقهم في بلادهم، ومن أشهر مَنْ وفد على مصر من هؤلاء الأدباء, غير من ذكرنا سابقًا من الصحفيين: جورج زيدان، وطانيوس عبده، وأديب إسحاق، وسركيس، ويعقوب صروف، وفارس نمر١.

وقد نشر زيدان في مجلة الهلال كثيرًا من البحوث المترجمة، واختصت المقتطف بالأبحاث العلمية, ومن أشهر آثار اللبنايين في الترجمة تعريب الإلياذة شعرًا، وقام بهذا العمل الضخم سليمان البستاني٢.

ولكن الأسف قد طغت الفرنسية على أهالي لبنان بعد الحرب العالمية الأولى, حينما خضعت بلادهم لحكم فرنسا، ففرضت الفرنسية في جميع المدارس، تُعَلِّم بها كل المواد ما عدا اللغة العربية، فاستعجمت ألسنة شبابهم وأدبائهم، وركت أساليبهم، وضعفت الترجمة إلى حد كبير، ولا سيما المسيحيين، أما المسلمون فقد انصرفوا للتجارة، وإن كانوا أصلح لغة من إخوانهم، ولولا شعراء الجيل الماضي وأدباؤه؛ لتأخرت منزلة لبنان في الأدب، على أن هذا الوضع قد تغير نوعًا ما بعد الثورة ١٩٤٥، واستقلال لبنان, وأخذت النهضة الأدبية فيه تشتد وتقوى، وأسست فيه دور نشر قوية، وظهرت ثمة بعض الصحف الأدبية الراقية, وإن كان أثر الثقافات الأجنبية في نتاج أدبائه واضحًا كل الوضوح, وأخذ كثيرٌ منهم يقلد المذاهب الأدبية الأوربية بحماسة ظاهرة.


١ وسنترجم لهم في الأجزء التالية من كتاب الأدب الحديث إن شاء الله.
٢ ولد سنة ١٨٥٦, وتوفي سنة ١٩٢٥، وابتدأ في ترجمة الإلياذة سنة ١٨٨٧ بالقاهرة، وتعلم اليونانية ليترجم الإلياذة. زونظمها في أحد عشر ألف بيت غير متقيد بوزن واحد ولا قافية واخدة بل استعمل كل ضروب الشعر وبحوره، وانتهى من نظمها سنة ١٨٩٥، وشرحها وعلق عليها بألف بيت من الشعر وبكثير من القصص العربية، وانتهى من شرحها سنة ١٩٠٢, ونشرت لأول مرة كاملةً بشرحها ومقدمتها سنة ١٩٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>