وتصادف أن كان بمصر الزعيم المصلح السيد جمال الدين الأفغاني -وكان من الملهمين في العصر الحديث- فبثَّ تعاليمه الإصلاحية، وشجَّع حركة الاستياء من طغيان النفوذ الأجنبين، وأخذ يقتحم هذا الحمى الذي ظل قرونًا لا يقرب، وهو حق الحاكم في التصرف برعاياه وأموالهم ونفوسهم، فوجَّه الانتقاد لإسماعيل, وحاسبه في الصحف المختلفة التي يكتب فيها أتباعه ومريدوه, من أمثال: أديب إسحاق، وإبراهيم المويلحي، وسليم نقاش، وعبد الله نديم، ويوسف أبو السعود، وهو من ورائهم يغذيهم بروحه وتشجيعه وآرائه، ويكتب هو أحيانًا مستترًا.
وهذه الحركة أنتجت أدبًا قوميًّا؛ حيث وجهت الأدب -ولا سيما النثر- إلى النظر إلى شئون الشعوب العربية، والدفاع عن حقوقها, ووصف أمراضها وأدوائها، وماتتطلبه هذه الأوصاب من علاجٍ، ولنا عودة إلى هذا الأدب ومظاهره فيما بعد.
وحريٌّ بنا، وقد ألقينا هذه النظرة العاجلة على ألوان الأدب في عصر إسماعيل, أن نعود إلى هذه الألوان والنماذج فندرسها بشيءٍ من التفصيل.
١- السيد علي أبو النصر:
مصريٌّ شريف النسب من منفلوط، لا نعرف على التحقيق متى ولد، وأغلب الظن أنه كان رجلًا ناضجًا في عصر محمد علي؛ حيث أرسله في مهمةٍ إلى الأستانة, في خلافة السلطان عبد المجيد، ومبعوث محمد علي إلى "الحضرة الخليفية" لن يكون حدثًا غرًّا, أو شابًّا غير مجرب، بل رجلًا مكتمل العقل والشهرة، ولذلك نرجح أن ولد في أوائل القرن التاسع عشر, وجاء إلى مصر من منفوط وهو صغير السن، ثم دخل الأزهر وتلقى به العلوم العربية والشرعية، إلّا أنه لم يسر في مرحلة التعليم هذه حتى غايتها، بل ترك العلم واشتغل بالأدب، وقد ظهر ميله إليه منذ الصغر, وكان عصر شبابه مقفرًا من الأدباء اللامعين، وكان صفوت الساعاتي في شغلٍ بمدح أمراء الحجاز -كما سيأتي، فنال أبوالنصر شهرةً، واتصل بالأسرة الحاكمة، وبعثه محمد علي -كما ذكرنا- إلى الآستانة، وصحب إسماعيل من بعده، وكان له نديمًا وجليسًا، وقد سافر إلى الآستانة معه مرةً ثانيةً.