للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعر أبي النصر يمثِّلُ كذلك هذه المدرسة التي أثقل أدبها بأوضار القديم وآفاته، فهو مولع بالمحسنات البديعية، وبالتأريخ الشعري، وبالألغاز، وبالتشطير, والتلاعب بالألفاظ، والشعر في هذه المدرسة -كما ذكرنا- صناعة تظهر البراعة والقدرة على صياغةٍ معينةٍ تحقق غرضًا من هذه الأغراض, وليس ترجمانًا عن همسات القلوب، وأشجان النفوس وأحاديثها، ومطية للخيال يحلق في سماواته الواسعة، أو مفصحًا عن فكرة اختمرت في عقل الشاعر وأبت إلّا أن تظهر جليةً واضحةً, كما يجب أن يكون الشعر.

ولم يكن مع هذا شعر السيد علي أبي النصر متين النسج، قويّ العبارة, بل هو وسط بين القوة والضعف، وبذلك يكون خير مثال للنظامين أو العروضيين, ومن شعره وقد أهدي إليه قدح:

أهدى الحبيب لمن أحب ... قدحًا تحلى بالذهب

لو أفرغت فيه الطلا ... لأطل ينظره الحبب

قد راق منظر حسنه ... ودعا له داعي الطرب

لا نظرت لشكله ... في رسم تيجان العرب

قلبته وقبلته ... ووعدته بنت العنب

ولأجله لولا التقى ... لخلعت أثواب الأدب

وملأته راحًا بها ... ينفي عن الصب الوصب

لكنني أودعته ... بخزنة تحوي الأدب

ومدحت من أهداه لي ... ومنحته شكرًا وجب

وجعلته بشرى المنى ... والدهر يأتي بالعجب

وقال ملغزًا:

ما اسم الحبيب أفيدوا أيها الأدبا ... فإن بقراط عنه ساء منقلبا؟

فقال لي بعضهم: حرف أضيف له ... حرفان دلَّا على شيءٍ حوى ذنبا

فقلت: هذا جواب رائق فعلى ... مثلي لمثلك شكر الفضل قد وجبا

<<  <  ج: ص:  >  >>