للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا طحونة في البلد ... لكن تقيله ع الحمار

علقت فيها الطور عصى ... علقت فيها المهردار

فكانت أضحوكةً سارت على الألسنة، وطرب لها الخديو وأفراد حاشيته، ونال الشيخ الليثيّ لدى إسماعيل حظوة ومنزلة، وعرف رجال الدولة مكانته, فكان مقصد طلاب الحاجات، ولايرد له رجاء عند أولي الأمر, ولما مات إسماعيل أبقى عليه توفيق، وقرَّبَه وأكرمه، وبقي مخلصًا له في أحلك أوقات الثورة, حين تنكر له كثيرون ممن أكرمهم توفيق, فأسبغ عليه من نعمه, وكافأه على إخلاصه له.

وللشيخ علي الليثي ديوانٌ لم يطبع، بل يقال: إنه لعن من يطبعه، ولسنا ندري سببًا واضحًا لعزوف الشيخ عن تخليد أثره الأدبيّ, إلّا أنه نال ثراءً واسعًا في أخريات حياته، وصار من سراة مصر، وليس من اللائق بسريٍّ وجيهٍ مثله أن يكون له ديوان شعر يروى, وبه ما به من عبثٍ ومجونٍ وتزلفٍ لكثيرين ممن يتسامى في حالته الأخيرة لمنزلتهم, ومن المستبعد أن يكون الشيخ قد أدرك أن شعره لا يستحق الخلود، وأنه ركيك ضعيف، فكل إنسان مهما كان شأنه يعجب بما يقوله، ولا يفطن ما به من عيوب، ثم إن الذوق الأدبيّ والنقد لم يكونا قد وصلا إلى منزلةٍ تمكن الشيخ من الاطلاع على مساوئ شعره، بل على العكس, كان الشيخ محسود المكانة الأدبية، ويتهافت أدباء عصره على مكاتبته ومطارحته الشعر١, وقد طال عمر الشيخ, وتوفي سنة ١٣١٣هـ-١٨٩٦م.

وإذا نظرنا إلى ما روي لنا من شعره، لم نجده يتميز عن زميله السيد علي أبي النصر في شيء، ونجده يقول في المناسبات المختلفة شأن الندماء، وقلما يطلق نفسه على سجيتها، وينظم الشعر؛ لأنه يشعر بدافع نفسانيّ يلهمه القول, ومن شعره على البديهة قوله، وقد كان أحد رجال الحاشية يفرغ تفاحة بمدية ليشرب فيها، فانكسرت المدية، فنظر إلى الشيخ نظرة من يسأله وصف هذه الحال، وخليق بنديم الخديو إسماعيل أن يسجل مثل هذه الحادثة، فقال الشيخ مرتجلًا:


١ الآداب العربية في القرن التاسع عشر, للأب لويس شيخو.

<<  <  ج: ص:  >  >>