ولكنَّ إخوانًا بمصر ورفقة ... نسوا عهدنا حتى كأن لم يكن عهد
أحن لهم شوقًا على أن دوننا ... مهامه تعيا دون أقربها الربد
فيا ساكني الفسطاط ما بال كتبنا ... ثوت عندكم شهرًا وليس لها رد
أفي الحق أنا ذاكرون لعهدكم ... وأنتم علينا ليس يعطفكم ود
فلا تحسبوني غافلًا عن ودادكم ... رويدًا فما في مهجتي حجر صلد
هو الحب لا يثنيه نأيٌ وربما ... تأجج من مَسِّ الضرام له الند
وعاد من حرب البلقان وهو في الأربعين من عمره؛ فعين مديرًا للشرقية، فمحافظا للعاصمة, ثم ساءت أمور مصر أخريات عصر إسماعيل، واضطربت اضطرابًا كبيرًا، وناء الفلاحون بالضرائب الفادحة العديدة، ولنستمع إلى شاهد عيان يصف لنا الهوة التي تردَّى فيها الفلاحون في تلك الحقبة سنة ١٨٧٥؛ حيث يقول: كان من الأمور النادرة في تلك الأيام أن يرى الإنسان شخصًا في الحقول وعلى رأسه عمامة، أو على ظهره شيء أكثر من قميص.. وغَصَّت مدن الأرياف في أيام الأسواق بالنساء اللاتي أتين لبيع ملابسهن وحليهن الفضية للمرابين "الأروام"، لأن جامعي الضرائب كانوا في قراهن والسوط مشهر في أيديهم، فابتعنا مصوغاتهن الزهيدة, وأصغينا إلى قصصهن، واشتركنا معهن في استنزال اللعان على الحكومة التي جعلتهن عرايا، ولم نكن فهمنا وقتئذ -أكثر مما فهمه القرويون أنفسهم- ذلك الضغط الماليّ الآتي من أوروبا، والذي كان السبب الحقيقيّ في هذا الضيق، وعلى ذلك جاريناهم في إلقاء اللوم كله على إسماعيل باشا وإسماعيل صديق, دون أن يخامرنا شكٌّ في أن الإنجليز أيضًا يقع عليهم جانب من اللوم١.
١ التاريخ السري لاحتلال انجلترا لمصر, تأليف ألفريد بلنت, ص١٢.