للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وكان -رحمه الله- حسن الإلقاء؛ بحيث ينتفع بتدريسه كل من أخذ عنه، وقد اشتغل في الجامع الأزهر بتدريس كتبٍ شتَّى: في الحديث والمنطق والبيان والبديع والعروض وغير ذلك، وكان درسه غاصًّا بالجمِّ الغفير من الطلبة, وما منهم إلّا من استفاد منه، وبرع في جميع ما أخذوه عنه، لما علمت من أنه كان حسن الأسلوب سهل التعبير، مدققًا، محققًا، قادرًا على الإفصاح بطرق مختلفة؛ بحيث يفهم درسه الصغير والكبير بلا مشقةٍ ولا تعبٍ، ولا كدٍّ ولا نصبٍ".

ثم عُيِّنَ واعظًا وإمامًا لإحدى فرق الجيش في سنة ١٨٢٨، فاعتاد حياةً جديدةً عنوانها: النظام والطاعة، ومحبة الوطن والدفاع عنه، ومواجهة الأخطار، وقد كان لذلك أثر كبير في حياته، فعاش محبًّا للنظام، في كل ما تولاه: في تلقي العلوم، وفي التأليف والتعريب، وفي حسن تنظيم المعاهد التي تولَّى إدراتها، شغوفًا بوطنه مخلصًا له طول حياته.

وكان من حسن حظِّه وحظ مصر أن طلب محمد علي إلى الشيخ العطار أن يختار له من علماء الأزهر إمامًا للبعثة الأولى، يرى فيه اللياقة لتلك الوظيفة١, فوقع الاختيار على الشيخ رفاعة.

ولم يكن مطلوبًا من إمام البعثة أن يحصِّلَ شيئًا من علوم الفرنسيين، ولكن حسبه أن يؤدي مهمته من وعظ الطلاب وإرشادهم إلى ما فيه خيرهم، ونصحهم إذا ضلت بهم السبل، وإمامتهم حين الصلاة، ولكن الشيخ رفاعة كان ذا نفسٍ طموح، فما أن أقامت به وبصحبه الباخرة من مصر حتى ابتدأ يتعلم؛ فأجلُّوه وأَكْبَرُوه، ومنهم المستشرق المشهور "البارون دي ساسي"٢. "كوسان دي برسفال"٣.


١ الخطط التوفيقية ج١٣ ص٥٤.
٢ ولد بباريس سنة ١٧٥٨, وتوفي سنة ١٨٣٨, راجع آثاره وخدماته للأدب العربيّ في كتاب "المستشرقون" لنجيب العفيفي ص٣٧.
٣ ولد سنة ١٧٥٩, وتوفي سنة ١٨٥٣, راجع "المستشرقون" ص٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>