للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واهتم في دراسته بالتاريخ والجغرافية، والفلسفة والأدب، فقرأ "فولتير", و"رسو"، "وراسين"، و"ومومنتسكيو" وغيرهم، وقرأ بعض الكتب في علم المعادن وفنون الحرب والرياضيات، ومالت نفسه وهو بباريس إلى التأليف والتعريب، فوضع رحلته وسماها: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، وقد كان أستاذه العطار قد أوحى إليه بذلك، وعرَّبَ نحو اثنتي عشرةَ رسالة في مختلف الفنون والعلوم: من هندسة, ومعادن, وطبيعة, وتاريخ, وتقويم, وميثولوجيا, وعلم الصحة, والأخلاق، وترجم كذلك في باريس كتابه "قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر".

وهو أول من كتب من المصريين في المباحث الدستورية، مع أن هذه المباحث كانت مجهولةً في تاريخ مصر القوميّ، وذلك أنه درس في أثناء إقامته بباريس بنظام الحكم في فرنسا؛ وعرَّبَ في كتابه "تخليص الإبريز" دستور فرنسا في ذلك الحين, وما تضمنه من نظام المجلسين واختيار أعضائهما، وحقوق الأمة أفرادًا وجماعات، ولم يكن يكتفي بالتعريف، بل كان يعلق بما يدل على سعة فهم وصحة حكم، وميل فطريّ للنظم الحرة١. وكان للشيخ رفاعة في باريس موضع إعجاب أساتذته وإكبارهم، لتمام رجولته، ونضج عقله، وحسن تصرفه، وشدة إقباله على الدرس والتحصيل، والعمل على نفع أمته، وفيه يقول المستشرق الفرنسيّ المشهور "سلفستر دي ساسي": إن الشيخ رفاعة "أحسن صرف زمنه مدة إقامته بفرنسا، وأنه اكتسب فيها معارف عظيمة, وتمكَّن منها كل التمكن، حتى تأهل لأن يكون نافعًا بلاده.. وله عنده مزية عظيمة ومحبة جسمية٢".


١ ومن ذلك تعليقه على موقف الملك "شارل" المباشر لمَّا قامت الثورة في باريس قال: "فلما اشتد الأمر وعلم الملك بذلك وهو خارج, فأمر بجعل المدينة محاصرة حكمًا, وجعل قائد العسرك أميرًا من أعداء الفرنساوية، مشهورًا عندهم بالخيانة لمذهب الحرية، مع أن هذا خلاف الكياسة والسياسة والرياسة، فقد دلهَّم هذا على أن الملك ليس جليل الرأي، فإنه لو كان كذلك لأظهر أمارات العفو والسماح، فإن عفو الملك أبقى للمُلْكِ، ولما ولي على عساكره إلّا جماعة عقلاء أحبابًا له وللرعية، غير مبغوضين ولا أعداء، مع أن استصلاح العدو أحزم من استهلاكه، ويحسن قول بعضهم:
عليك بالحلم وبالحياء ... والرفق بالمذنب والإغضاء
إن لم تقل عثرة من يقال ... يوشك أن يصيبك الجهال
٢ تخليص الإبريز, ص١٥٤.
٣ حلية الزمن, ص١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>