وذكر السيد صالح مجدي تلميذه ومؤرخ حياته في كتاب "حلية الزمن": وقال لي من أثق به ممن كانمعه بباريس: "أنه كان يؤدي الفرائض والسنن، ولم يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، وواظب على تلاوة القرآن١".
كان رفاعة قبل أني يغادر مصر يظن أن العلم كله قد جمع في الأزهر، وأنه سيحرم الاغتراف من هذا النبع العذب، وفي ذلك يقول:
"ولكن يتبين له به أن ذهب إلى باريس، واتصل بثقافة الغرب, أن وطنه في حاجةٍ ملحةٍ إلى معرفة هذه الثقافة الجديدة ليرقى وينهض، وأنه لا يكفيه علم الأزهر، ولذلك جَدَّ في الترجمة، حتى ليخيل للمرء أنه يريد أن ينقل كل شيء إلى اللغة العربية وإلى مصر، ولا بدع, فكل شيء أمام ناظريه جديد، وعلى عقله غريب".
ثم عاد إلى مصر سنة ١٨٣١، بعد ست سنوات قضاها مكبًّا على الدرس والتحصيل: يطالع، ويقرأ، ويكتب ويعرب، ويجالس العلماء ويسجالهم البحث والمناظرة، وينعم النظر في أحوال الشعوب الأوروبية وتاريخها، وأسباب حضارتها وتقدمها، واستقرَّ عزمه وهو في باريس, على أن يخدم بلاده عن طريق نقل العلوم الغربية إلى مواطنيه، فتتسع أفكارهم, وتنمو مدراكهم, مقتفيًا في ذلك آثار الدولة العباسية؛ إذ بدأت نهضة العلوم والمعارف في عهدها بترجمة كتب اليونان إلى العربية.
ولقد برَّ بوعده؛ فملأ البلاد علمًا وحكمةً، وحمل نواة النهضة وخدمتها بتأليفه وتعاريبه وتلاميذه الذين تخرجوا على يديه في مدرسة الألسن وغيرها.
أعماله بعد عودته:
لما رجع ولي منصب الترجمة، وتدريس اللغة الفرنسية في مدرسة الطب بأبي زعبل، ثم انتقل إلى مدرسة المدفعية بطرة، وعهد إليه ترجمة العلوم الهندسية والفنون الحربية، ثم وقع وباءٌ في القاهر اضطره إلى السفر لطهطا بلدته، فمكث بها ستين يومًا، ترجم في خلالها مجلدًا من جغرافية "ملتبرون" Nalt Bron وعاد به إلى القاهرة، وقدَّمَه لمحمد علي, فأكرمه ورقاه.