عفاء على الدنيا إذا المرء لم يعش ... بها بطلًا يحمي الحقيقة شده
من العار أن يرضى الفتى بمذلة ... وفي السيف ما يكفي لأمر يعده
وإني امرؤ لا أستكين لصولة ... وإن شد ساقي دون مسعاي قده
أبت لي حمل الضيم نفس أبية ... وقلب إذا سيم الأذى شب وقده
وربما قيل: إن البارودي كان ذا أثرة، وأنه كان يسعى سعيه لتحقيق أمله, وأنه لم يكن مخلصًا في دعوته لمحابة الظلم, وسواء كان هذا صحيحًا أو غير صحيح، فالذي نلمسه هو أن البارودي كان يتغنى بمصر وأهلها ويظهر محبته لها، وحرصه على خيرها ونفعها، بما لم نسمعه قبل من شاعر، إنها الروح القومية الجديدة سرت في شعوب الأرض, وجعلتهم يطالبون بالحرية والاستقلال، ويشيدون بأوطانهم, ويتغنون بمآثر قومهم, وقد تمثلت هذه الروح في البارودي على غير انتظار, وعلى غير سابقة من شعراء وطنه وزمنه، أصغ إلى القطعة التالية، والمس ما بها من حرارة الصدق والمحبة؛ لتعرف أكان البارودي مخلصًا في دعواه أو مداجيًا؟
فيا مصر مد الله ظلك وارتوى ... ثراك بسلسالك من النيل دافق
ولا برحت تمتار منك يد الصبا ... أريجًا يداوي عرفه كل ناشق