للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكرر هذا المعنى في قوله:

وكفكفت دمعًا لو أسلت شئونه ... على الأرض ما شك امرؤ أنه البحر

ومن مثل قوله:

إذا تنفست فاضت زفرتي شررًا ... كما استنار وراء القدحة اللهب

على أنها تغتفر له, فإنها خيالات شاعر.

منزلته:

يدين الشعر العربي الحديث للبارودي بأنه النموذج الحيّ الذي احتذاه الشعراء من بعده, وساروا على نهجه في أسلوبه وأغراضه، وذلك لأنه أتى -كما رأيت- بشعر جزلٍ رائق الديباجة, عذب النغم, في حقبة ساد فيها شعر الضعف والصنعة وضحالة المعنى وعقم الخيال، ثم إنه مثَّل عصره أتمَّ تمثيلٍ, وكان صدًى لحوادث بيئته, فكان قدوةً لمن جاء على أثره في التجديد.

أضف إلى ذلك أنه علمهم كيف يتجهون إلى الأدب العربي في أزهى عصوره, ويغترفون من ذخائره؛ بحيث لا تفنى شخصياتهم، فيقوى أسلوبهم, وتشرق ديباجتهم, ويبعدون عن الحلى المتكلفة، وبذلك سار الشعر من بعده إلى الأمام, ولم يجرع أبدًا إلى عصور الضعف والركاكة.

وممن تتلمذ على البارودي واقتفى أثره عدد كبير من شعراء العربية, اتخذوه إمامهم غير مدافع؛ كشوقي وحافظ والرافعي وصبري وعبد المطلب والجارم والكاظمي والرصافي وأحمد محرم والكاشف ونسيم والزين وغيرهم، وعلى تباينٍ بينهم في حظِّ كلٍّ منهم من التجديد والتأثر بثقافة الغرب ومذاهبه الأدبية.

وعلى الرغم من قيام مدرسة مجددة نشيطة يتزعمها مطران وشكري والمازني والعقاد وأبو شادي، فلا يزال كثيرون في البلاد العربية بعامة وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>