للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل استمع إليه يحرض على الثورة جهرةً في كلمته التي كتبها تحت عنوان: "التردد", وهو فيها لا يقل حميةً وحماسةً عن جمال الدين، ساقها في أسلوبٍ شعريٍّ يهيج العواطف, وذلك حيث يقول:

"قد بليتم بما يذيب الشحم, ويفري اللحم، وينقي العظم, وأنتم صابرون؛ ومنيتم بما وفَّرَ النقم وغير النعم, وأهلك النعم وأنتم صامتون، ورزقهتم بما جلب المصاب، وهتك الحجاب، وأبرز الكعاب وأنتم خاشعون، فما الذي تخافون؟

تقولون: لا نرضى بهذ الخسف، ولا نقوى على احتمال الذل، فقد صار تاجرنا عاملًا، ونبيهنا خاملًا، وعالمنا سائلًا، فلم يبق فينا غير الأجير والتابع والشحاذ والزارع، والجندي منخفض الجانب، والشرطيّ منقطع الراتب، بل زارعنا الذي يدفن مع الحبة قوة يمينه، ويسقي الغرس بماء جبينه, نزيلٌ في دار أبيه، وغريب في أرض ذويه، يحصد مما زرع ولكن لسواه، ويجني مما غرس ولا يذوق جناه.

وكأني بكم عصابة، من أهل الهمة الإصابة، ترفعون الأصوات في طلب الحق المسلوب، وتمدون الأكف لالتماس المال المنهوب، وتجعلون الأبدان للوطن سورًا يرد عنه العدو مذعورًا، وأنتم الكلمة المتحدة, والقوة المجتمعة هي أقوى من العدد الكثير إلّا أنكم تترددون.

فيا حليف الصبر, ويا نضو العناء، نداء مشارك في بلواك، وسامع لنجواك، دع التردد إن أردت النجاح والنجاة، وأقدم، فرب حياةٍ تكون في طلب الموت، ورب موتٍ يجئ من طلب الحياة"١

وهي كما ترى كلمة تحمل روح جمال الدين، وتحض على الثورة علانيةً، بتنبيه المصريين لمهاوي الذلة التي تردوا فيها، وحثهم على استخلاص حقهم بالقوة من ظالميهم.


١ الدرر ص٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>