للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- الدعوة إلى الأخذ بنظام الشورى في الحكم، حتى تشعر الأمة أن مقدراتها بيدها، وحتى تأمن جانب الحكام وعبثهم بكنوزها وأزراقها، بل مقامرتهم على استقلالها وحريتها، وحتى لا تدع للأجانب حجة يتكئون عليها في إشرافهم على الحكومة وإدارتها.

وقد رأيت طرفًا مما قاله البارودي الشاعر في الشورى، وقد كانت هذه الروح التي تجلَّت في شعر البارودي قبسًا من نار مشتعلة في نفس جمال الدين الأفغاني وصحبه وحوارييه من أمثال محمد عبده وعبد الله نديم، وأديب إسحق، استمع إلى هذا الحوار بين توفيق باشا وبين جمال الدين الأفغاني, وقد طلبه للمثول بين يديه في قصر عابدين:

قال توفيق: إني أحب كل المصريين، ويسرني أن أرى بلادي وأبناءها في أعلى درجات الرقيِّ والفلاح، ولكن من الأسف أن أكثر الشعب خامل جاهل لا يصلح أن يلقى عليه ما تلقونه من الدورس والأقوال المهيجة، فيلقون بأنفسهم في تهلكة.

فأجاب جمال الدين: "ليسمح لي سمو أمير البلاد أن أقول بحريةٍ وإخلاصٍ: إن الشعب المصريّ كسائر الشعوب, لا يخلوا من وجود الخامل والجاهل بين أفراده، ولكنه غير محروم من وجود العالم والعاقل، فبالنظر الذي تنظرون به إلى الشعب المصريّ ينظر إليكم، وإن قبلتم نصح هذا المخلص، وأسرعتم في إشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى فتأمرون بإجراء انتخابات نواب الأمة, لتسن القوانين وتنفذها باسمكم وإرادتكم, يكون ذلك أثبت لعرشكم وأدوم لسلطانكم"٢.

ويقول الأستاذ الإمام الشيح محمد عبده، مبرهنًا على أن الأمة المصرية بلغت حدًّا من النضج يؤهلها لأن تتولى أمورها بنفسها.


١ خطرات جمال الدين لمحمد باشا المخزومي.

<<  <  ج: ص:  >  >>