للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ومما تقدَّم سرده تعلم أن أهالي بلادنا المصرية دبت فيهم روح الاتحاد، وأشرفت نفوسهم على مدارك الرأي العام، وأخذوا يتنصلون من جرم الإهمال، ويتسيقظون من نومة الإغفال، وقد مرت عليهم حوادث كقطع الليل، ثم تقشَّعت عنهم فطالعوا من سماء الحق ما كحَّل عيونهم بنور الاستبصار، حتى اشرأبت مطامحهم إلى بثِّ أفكارهم فيما يصلح الشأن, ويلم الشعث, ويجمع المتفرق من الأمور؛ ليكونوا أمة متمتعة بمزاياها الحقيقية، فهم بهذا الاستعداد العظيم أهلٌ لأن يسلكوا الطريق الأقوم, طريق الشورى والتعاضد في الرأي"١.

٣- محاربة الاستعمار، وإثارة الحمية الوطنية في نفوس الشعوب المستذلة التي غُلِبَتْ على أمرها, وقادها ملوكها وزعماؤها إلى الدمار والبوار، بينما العدو يتربص بهم الدوائر, فلما لاحت الفرصة انقض على الفريسة كالوحش الكاسر يوسعها نهشًا وعضًّا، حتى خرت تحت قدميه دامية الجسد، هامدة الفكرة، تنظر بعينين ملؤهما الرعب والذلة.

وقف هذا الأدب يصرخ في هذه الشعوب صرخاتٍ مدويةً علها تفيق من سباتها؛ تنهض لمحاربة عدوها، وتنبه الختل والغيلة، والغدر والحيلة، وشتَّى الوسائل الزائفة التي عمد لها الطامع الجشع من وعودٍ مصيرها الخلف، ومواثيق غايتها النقض، وأيمان يتبعها الحنث، كلذلك حتى يمكِّنَ لنفسه في البلاد؛ فيمتص دماء أهلها, ويسخرهم لطاعته عبيدًا غير مأجورين, وفَعَلَةً غير مشكورين.

"بلغ الإجحاف بالشرقيين غايته, ووصل العدوان فيهم نهايته، وأدرك المتغلب منهم نكايته، وخصوصًا في المسلمين منهم، فملوك أنزلوا عن عورشهم جورًا، وذوو حقوق في الإمرة حُرِمُوا حقوقهم ظلمًا، وأعزَّاء باتوا أذلاء، وأجلاء أصبحوا حقراء، وأغنياء أمسوا فقراء، وأصحَّاء أضحوا سقامًا، وأسود تحولت نعامًا، ولم تبق طبقة من الطبقات إلّا وقد مسَّها الضر من إفراط الطامعين في أطماعهم، خصوصًا من جراء هذه الحوادث التي بذرت بذورها الأراضي المصرية نحو


١ تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ج٢, ص٢١٧-٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>