ومن أمثلته النثر السياسي غير ما تقدَّم, ما كتبه الشيخ علي يوسف في المؤيد, تحت عنوان:"لا تعصب في مصر".
"التعصب بالمعنى المعروف في الغرب عن الشرق، وبعبارةٍ أخرى: من المسيحيين عن المسلمين، وهو انبثاث روح العداء والبغضاء من الآخرين ضد الأولين، انبثاثًا يحمل على الاعتداء عليهم حينًا بعد حين، أو هو التوحش الذي يفتك بنفوس الأبرياء كلما ثار ثائره، فهو أشبه شيءٍ بالغول الكاسر الذي يندفع بعماية فيفترس كل ما في طريقه من نفوس البشر، وبهذا المعنى رذيلة من الرذائل التي ينهى عنها الدين الإسلاميّ، والقوانين الاجتماعية، نعوذ بالله أن ترزأ أمة بهذا البلاء العظيم.
قالوا: إن المصريين متعصبون تعصبًا دينيًّا، ومعنى هذا عندهم، أنهم يكرهون المخالفين لهم في الدين كراهةً عمياء, ويعتدون عليهم بروح البغضاء المتناهية، كلما سنحت لهم فرصة, أو استفزهم صائح، ولكن كيف وفي البلاد من قديم الزمان أديانٌ مختلفةٌ يتجاور أهلوها في المنازل، ويتشاركون في المرافق، ويتنافسون في الأعمال، فلم يكن بين المسلمين والأقباط تلك الروح الشريرة، ولو كانت في فطرة المسلمين أو فطرة الفريقين للاشت الأكثريةُ الأقليةَ في عصورٍ مضت, وخصوصًا في عصورٍ كانت الجهالة فيها سائدة، وكان بعض الحكام من المسلمين وغيرهم, يبذورون بذور البغضاء بين الفريقين لا لخدمة دينية إسلامية، بل لأغراضٍ منشؤها الشهوات والمطامع، ولكن التواريخ تدل على أن الفريقين عاشا على الوئام والسلام في كل الظروف أو أكثرها.
وقد وفد على القطر المصريّ وفودٌ من كل الطوائف المسيحية، غربية وشرقية، ومن أرمن وأروام وسوريين وفرنساويين وأرثوذكس، وغير ذلك، من علماء وتجار وصناع وعمال وهمل متشردين، فلقي الكل في مصر صدرًا رحبًا، وكان منهم الموظفون في كل مصلحة، حتى تولى نوبا باشا الأرمنيّ رياسة