للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نستعد له، فيكون من قبيل تسليم المال للناشئ قبل بلوغ سن الرشد يفسد المال، ويفضي إلى التهلكة"١.

فأنت تراه يسمي الثورة فتنةً وشغبًا عسكريًّا، ووسائل حمقى، ويعارض في قيام حكومة دستورية، ويرى أن الأمة غير مستعدة للحياة النيابية في ذلك الحين.

لم يكن محمد عبده مشايعًا للثورة في أول الأمر؛ لأنه لم يكن معتقدًا بها ولا في صلاح الأمة لأن تتولى أمورها بيدها، وأخذ يناهضها ويقول: "ليس من الحكمة أن تعطي الرعية ما لم تستعد له، فذلك بمثابة تمكين القاصر في التصرف بماله قبل بلوغه سن الرشد وكمال التربية المؤهلة والمعدة للتصرف المفيد" ويقول مرة أخرى، وكأنه كان يتكلم بلسان القدر: "إن الأمة لو كانت مستعدة لمشاركة الحكومة في إدارة شئونها لما كان لطلب ذلك بالقوة العسكرية معنًى، فما يطالب به رؤساء العسكرية الآن غير مشروع؛ لأنه ليس تصويرًا لاستعداد الأمة ومطلبها، ويخشى أن يجر هذا الشغب على البلاد احتلالًا أجنبيًّا يسجل على مسببه اللعنة إلى اليوم القيامة"٢.

ولم يكن محمد عبده من الموالين لتوفيق باشا حتى يُتَّهَمَ بأنه ناهض الثورة من أجله، ولكنه كان مستقل الرأي، وبعد مدةٍ لم يستطع أن يقف مسلوب اليد والأمة كلها في صف واحد، وهو وفئة قليلة في صف، ورأى المسأة تتعلق بكرامة الأمة, بعد أن تدخل المواثيق ويحرر بيانات الثورة للشعب وللدولة، ويحض قومه للتجنيد ويحمسهم للقتال، ولا يدخر في سبيل ذلك وسعًا، وكان يستعين بالوقائع "وهي الجريدة الرسمية" على نشر أفكار الثورة٣, وصار يرى أن مصر أصحبت صالحةً لحكم نفسها بنفسها, وأن الثورة قد علَّمت الناس الاتجاه نحو المنافع العامة, فلم يعودوا في حاجة إلى تربية وتعليم".


١ مذكرات محمد عبده عن الثورة العرابية وتاريخه, رشيد رضا ج١ ص٢١٧.
٢ المنار ج٧ ص٤١٢ وما بعدها.
٣ المنار ج٨ ص٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>